الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو نظرت إليهم لأدبرت منهم فرارا وهربا، ولملئت منهم خوفا وفزعا لأن الله تعالى ألقى عليهم المهابة والوقار، بحيث لا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم، إلى أن انتهى أجل لبثهم راقدين، وأقام الله فيهم الدليل الحسي المادي على قدرته على البعث والإعادة.
قال أبو الفضل بن الجوهر على منبر جامع مصر سنة (469 هـ) بمناسبة تبعية الكلب لأهل الكهف: إن من أحب أهل الخير، نال من بركتهم، كلب أحب أهل فضل وصحبهم، فذكره الله تعالى في محكم تنزيله.
بعثة أهل الكهف من رقدتهم
يستغرب الإنسان عادة الأشياء غير المألوفة لديه، ويحكم عليها بحسب المعتاد والقدرات والإمكانات المتاحة لديه، فلا يتصور أحد أن إنسانا ينام مدة ثلاث مائة وتسع سنوات، ثم يستيقظ، ويعود إلى الحياة مرة أخرى، وهذا ما حدث فعلا لأصحاب الكهف، لإقامة الدليل الملموس على قدرة الله على بعث الأموات وإحياء الأنفس، وتلك هي العبرة من قصة أصحاب الكهف، قال الله تعالى مبينا هذا الحدث الغريب:
[سورة الكهف (18) : الآيات 19 الى 21]
وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20) وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21)
«1» «2» «3»
(1) بدراهمكم الفضية.
(2)
أحل وأجود.
(3)
أطلعنا الناس عليهم.
[الكهف: 18/ 19- 21] .
هذه هي العبرة من قصة أصحاب الكهف، مفادها: كما أبقيناهم أحياء من غير أكل ولا شرب مدة طويلة من الزمان، في تقلب مستمر وهم نيام، فكذلك بعثناهم، أي أحييناهم من تلك النومة التي تشبه الموت، لنعرّفهم مدى قدرتنا وعجيب فعلنا من الناس، وليتبصروا في أمرهم، وليتساءلوا بينهم، أي ليؤول الأمر أو يصير إلى هذا اللون من التساؤل، فقال قائل منهم: كم لبثتم، أي كم رقدتم في نومكم؟
فأجاب بعضهم قائلا: لبثنا في تقديرنا يوما كاملا، أو جزاء من اليوم لأن دخولهم إلى الكهف كان في أول النهار، وإيقاظهم كان في آخر النهار، فقالوا: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.
وأجاب بعض آخر من أهل الكهف: ربكم أعلم بأمركم وبمقدار لبثكم، أي فالله أعلم منكم، وأنتم لا تعلمون مدة لبثكم.
ثم لما أحسّوا بحاجتهم إلى الطعام والشراب قالوا: أرسلوا أحدكم بدراهمكم هذه إلى المدينة، وهي طرسوس كما ذكر الرازي، وهي المدينة التي خرجوا منها. فليبصر أي الأطعمة أجود وأنفع وأطيب وأيسر سعرا، فليأتكم بمقدار مناسب منه، من رزق الله الذي يرزق به الناس، وليتلطف، أي وليكن لطيفا رفيقا في الطلب، وفي الدخول والخروج من المدينة وفي الشراء، ولا يخبرن ولا يعلمن أحدا من أهل المدينة بمكانكم. لأن أصحاب الملك (دقيانوس) إن اطلعوا على مكانكم، يقتلوكم بالرجم بالحجارة، أو يكرهوكم على العودة إلى دينهم- دين الوثنية وعبادة الأصنام، وإن وافقتموهم على العود إلى ملتهم أو دينهم، فلا فلاح لكم أبدا في الدنيا والآخرة.
وكما أنمناهم ثم بعثناهم، أطلعنا الناس عليهم وعلى أحوالهم، وهم أولئك الذين تشككوا في قدرة الله على إحياء الموتى وفي البعث وفي القيامة، فإن بعث أهل الكهف حجة واضحة على قدرة الله على البعث والإحياء، وليدركوا ويتيقنوا أن وعد الله بالبعث حق وصدق وأمر ثابت الوقوع، وأن مجيء الساعة، أي القيامة أمر لا شك فيه، فمن شاهد أهل الكهف بعد مكثهم نياما ثلاث مائة وتسع سنين، علم صحة الخبر بصدق وجود البعث، لأن بعثهم من نومهم، كبعثهم من موتهم. وقوله تعالى:
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ أي كما بعثناهم أعثرنا عليهم، والإعثار: إعلام الناس بخبرهم، وسمي ذلك إعثار، لأن من غفل عن شيء ثم عثر به، نظر إليه وتعرف عليه، فكان الإعثار سببا في العلم بهم وبمعرفة أحوالهم.
لقد أطلعنا عليهم أهل زمانهم حين كانوا يتنازعون مع بعضهم في أمر القيامة، فمنهم المثبت لها ومنهم المنكر، ومنهم المؤمن بها ومنهم الكافر، فجعل الله اطلاع الناس على أصحاب الكهف حجة لأهل الإيمان، وفرح الملك وشعبه بآية الله على البعث، وزال الخلاف في شأن القيامة.
ثم انقسم القوم في شأن أهل الكهف، فقالوا بعد أن أماتهم الله وحين تنازعهم:
ابنوا عليهم بنيانا يسد باب كهفهم، لئلا يدخل الناس عليهم، حفاظا عليهم واحتراما لأجسادهم، والله أعلم بشأنهم، وهذه الجملة المعترضة للرد على المتنازعين في عقيدة أهل الكهف وفي أنسابهم وأسمائهم ومدة لبثهم، ثم قالت الطائفة الغالبة على الأمر والرأي في مواجهة الذين أرادوا طمس معالم الكهف، وتلك الطائفة وهم المؤمنون والملك قالوا: لنتخذن على باب الكهف مسجدا يصلي فيه المؤمنون، ويتبركون بمكانهم.