الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشيئة الله، فإنه فعل ذلك بإذن الله ووحيه، مما يدلّ على أن تلك الحيلة مشروعة مأذون بها من الله العلي الحكيم.
وفوق كل عالم من هو أعلم منه، والمعنى: أن البشر في العلم درجات، فكل عالم لا بدّ من وجود من هو أعلم منه، فإما من البشر، وإما الله عز وجل. قال الحسن البصري: ليس عالم إلا فوقه عالم حتى ينتهي إلى الله عز وجل. فإذا كان إخوة يوسف علماء، فإن يوسف كان أعلم منهم.
الحوار الحادّ بين يوسف وإخوته، وبينهم وبين أبيهم
تفجّرت الأزمة الخانقة بين أولاد يعقوب في مصر، وبينهم وبين أبيهم في فلسطين، ووقعوا في كمين أو فخ شائك، وظهرت الطبائع على حقيقتها، بالرغم من كون الأولاد أبرياء من السرقة، والملك يعرف ذلك. لكن الحادث أغاظهم، وبدأت الاتّهامات الباطلة ومخاوف اللقاء مع الأب، وما يتعرّض له من ألم وأسى جديد حين عودتهم من دون بنيامين. فماذا فعلوا في ساحة الاتّهام؟ قال الله تعالى واصفا وقائع الحوار وصدمة يعقوب وشكواه إلى الله وصبره.
[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 87]
قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَاّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81)
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (85) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (86)
يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (87)
«1» «2» «3»
(1) نعتصم بالله.
(2)
يئسوا من إجابته.
(3)
انفردوا عن الناس يتناجون ويتشاورون.
«1» «2» «3» »
«5» «6» «7» «8» «9» «10» [يوسف: 12/ 77- 87] .
عبّر إخوة يوسف عن طبعهم ونظرتهم السّيئة نحو يوسف، فاتّهموه بالسّرقة وهو صغير، وأن الأخوين سارقان، فقالوا: إن يسرق بنيامين الصواع، فقد سرق أخوه يوسف من قبل، فهما في العادة والطبع سواء. وقصة سرقة يوسف في الصغر: أن عمته ربته، فلما شبّ أراد يعقوب أخذه منها، فولعت به، وأشفقت من فراقه، فأخذت منطقة إسحاق المتوارثة عندهم، فنطّقته بها من تحت ثيابه، ثم صاحت وقالت: إني قد فقدت المنطقة، ويوسف قد خرج بها، ففتّش فوجدت عنده، فاسترقّته- حسبما كان في شرعهم- وبقي عندها حتى ماتت، فصار عند أبيه.
فأسر يوسف الحزازة التي حدثت في نفسه من قولهم، ولم يظهر ما في نفسه من مؤاخذتهم بمقالتهم، بل صفح عنهم، وقال لهم في نفسه دون إعلان: أنتم شرّ مكانا
(1) القافلة.
(2)
زيّنت.
(3)
يا حزني الشديد.
(4)
أصابتها غشاوة.
(5)
مملوء غيظا على أولاده.
(6)
لا تفتأ ولا تزال.
(7)
مشرفا على الهلاك.
(8)
أشدّ غمي.
(9)
تعرفوا عنه.
(10)
رحمته وفرجه.
ومنزلة ممن تتهمونه بالسّرقة لأنكم سرقتم أخاكم من أبيكم، وطرحتموه في البئر، لإهلاكه والتخلص منه. والله أعلم بما تذكرون وتصفون.
ثم استشفعوا لدى يوسف قائلين: يا أيها العزيز، إن له أبا شيخا كبيرا، هرما، يحب هذا الولد حبّا شديدا، فخذ أحدنا بدله، إنا نراك من المحسنين لنا في عطائنا وضيافتنا، بل وفي جميع أفعالك معنا ومع غيرنا.
قال: نعوذ بالله ونلجأ إليه أن نأخذ غير من وجدنا الصواع عنده، فإنا إن فعلنا ذلك كنا من جملة الظالمين، لأن ذلك أخذ بريء بمتهم. والمراد أن الله أمرني بما فعلت، واحتبست بنيامين لمصلحة في ذلك.
فلما يئس إخوة يوسف من إطلاق سراح أخيهم بنيامين الذي التزموا وعاهدوا أباهم أن يردوه إليه، اعتزلوا الناس يناجي بعضهم بعضا، فقال كبيرهم شمعون رأيا وتدبيرا وعلما، وإن كان روبيل أسنّهم: ألم تعاهدوا أباكم بردّ بنيامين، وكنتم سابقا قد فرطتم بيوسف، فلن أغادر أرض مصر أبدا، حتى يأذن لي أبي، أو يحكم الله لي بأن يمكنني من أخذ أخي بنيامين، والله خير الحاكمين بالحق والعدل، ارجعوا إلى أبيكم، وقولوا له: يا أبانا لقد سرق ابنك صواع الملك، فاسترقّه عزيز مصر، وما شهدنا عليه بالسرقة إلا بما علمناه وشاهدناه، ولم نعلم بالغيب أنه سيسرق حين أعطيناك الميثاق بردّه. واسأل يا أبانا أهل القرية التي كنا فيها وهي مصر، واسأل أصحاب العير الذين كانوا يأتون بالميرة (الطعام) معنا، ونحن صادقون فيما أخبرناك به.
قال يعقوب: بل زيّنت لكم أنفسكم أمرا آخر أردتموه، وكيدا جديدا فعلتموه، فأصبر صبرا جميلا: وهو الذي لا جزع ولا شكاية فيه لأحد غير الله، لعل الله أن يأتيني بأولادي الثلاثة جميعا، إن الله عليم بحالي، حكيم في فعله وقضائه وقدره.
وأعرض بوجهه عن أولاده وجعل يتفجع ويتأسّف، وأصيبت عيناه بغشاوة بيضاء