الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الجملة: إن الفاحشة أو الزنا قبيح شرعا وفي العقل السليم، والفواحش:
طريق لتدمير الأمم والشعوب بإشاعة الانحراف، وتحطيم سياج الأعراض والأخلاق، وقد حرّم الزنا في كل الأديان، وازداد تحريمه والتشنيع عليه، وتبشيع أمره في القرآن الكريم، وجعل الزنا في مرتبة الشرك، وصنّف الزناة مع المشركين، ومن المعلوم أن الشرك أعظم المعاصي، فما يقترن به يكون قبيحا مثله. هذا فضلا عن أن تعاطي الفاحشة يعرّض صاحبها لألوان الاعتداءات والجنايات المختلفة، بل ويمهد للإصابة بأخطر الأمراض الفتاكة التي لا علاج لها، ومنها مرض فقد المناعة (الإيدز) فإن 90 من حالاته بسبب الشذوذ أو الانحراف الجنسي.
عقوبة القاذفين
لقد طوّق التشريع القرآني مصادر الجريمة، وعمل على استئصال أسبابها، وحارب كل الوسائل المؤدية إليها، لأن المزالق والأساليب هي مبدأ التوجه نحو الغايات، فإذا أوصد الباب في وجه الوسيلة، امتنع تحقيق الغاية، وإذا حرّم الإسلام أمرا لقبحه وضرره، حرّم كل الوسائل المؤدية إليه، لأنها منافذ الخطر. وعلى هذا النهج ترى القرآن الكريم يحرم الزنا لفحشه وضرره البالغ، ويحرم كل ما أدى إليه، وسهّل إليه من كلام الفحش، وقذف الأعراض، وخدش الكرامات والخلوة بالمرأة، فتكون كلمة القذف، أي النسبة إلى الزنا من غير إثبات بالبينة أو الإقرار حراما وموجبا لحد مكمل لحد الزنا يسمى حد القذف. قال الله تعالى مبينا مقدار هذا الحد وطريق التخلص منه بالتوبة الصادقة:
[سورة النور (24) : الآيات 4 الى 5]
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَاّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
«1»
(1) يقذفون العفيفات بالزنا.
[النور: 24/ 4- 5] .
نزلت هذه الآية في القاذفين، فبعد أن نفّر الله من نكاح الزانيات، وإنكاح الزناة، نهى الله تعالى عن القذف: وهو الرمي بالزنا، أي إلصاق التهمة بعفيف أو عفيفة من دون حجة ولا برهان، وهذا الاتهام وإن ظن بعض الناس أنه لا يستحق عقابا، فإنه في الواقع أمر خطير ربما يؤدي إلى القتل، أو تدمير كيان الأسرة، أو الإساءة الدائمة للسمعة، بسبب الاستفزاز وإثارة الأحقاد، وإيجاد العداوة والبغضاء، واحتدام السخط والغضب، والغالب أن الغضوب بعيد عن دواعي العقل والحكمة والرشد، فيسارع إلى اتخاذ موقف متهور، يؤدي إلى نتائج خطيرة، بسبب كلمة عابرة أو تهمة كاذبة. لذا طلب القرآن مزيدا من التثبت أو الإثبات للتهمة بأربعة شهود.
والمعنى: إن الذين يتهمون النساء العفيفات الحرائر المسلمات بالزنا، ولم يتمكنوا من إثبات التهمة بأربعة شهود، رأوهن متلبّسات بالزنا، أي لم يقيموا البينة على صحة القذف الذي تورطوا به، هؤلاء لهم عقوبات ثلاث:
أولها: أن يجلدوا، أي القذفة ثمانين جلدة.
وثانيها: أن تردّ شهادتهم أبدا، وتسقط عدالتهم، فلا تقبل شهادتهم بعدئذ في أي شيء، مدة العمر.
وثالثها: أن يصيروا فسقة فجرة، ليسوا عدولا، لا عند الله ولا عند الناس، سواء كانوا صادقين في القذف لكنهم لم يثبتوه، أو كاذبين، والفسق: الخروج عن طاعة الله تعالى. وهذا دليل على أن القذف إحدى الكبائر، لما يؤدي إليه من التشنيع، وهتك حرمة أعراض المؤمنات.