الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي أمية والنضر بن الحارث وغيرهم من مشيخة قريش وساداتها، وعرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يملّكوه- إن أراد- الملك، ويجمعوا له كثيرا من المال- إن أراد الغنى- أو يطبّوه إن كان به داء، ونحو هذا من الأقاويل،
فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك إلى الله، وقال: إنما جئتكم من عند الله بأمر فيه صلاح دينكم ودنياكم، فإن سمعتم وأطعتم فحسن، وإلا صبرت لأمر الله، حتى يحكم الله بيني وبينكم بما شاء، فقالوا له حينئذ: فإن كان ما تزعمه حقا، ففجّر ينبوعا ونؤمن لك، ولتكن لك جنة (بستان) إلى غير ذلك مما كلفوه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا كله إلى الله، ولا يلزمني اقتراح هذا ولا غيره، وإنما أنا مستسلم لأمر الله تعالى «1» .
هذا هو معنى الحديث في سبب نزول الآيات الآتية:
[سورة الإسراء (17) : الآيات 90 الى 93]
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَاّ بَشَراً رَسُولاً (93)
«2» «3» «4» «5» [الإسراء: 17/ 90- 93] .
لم يكتف المشركون بإعجاز القرآن لإثبات كونه كلام الله، وإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد أن أفحمتهم الحجة، وعجزوا عن الجواب المقنع، اقترحوا إنزال إحدى ست آيات من النبي صلى الله عليه وسلم:
- فقال زعماؤهم كعتبة وشيبة ابني ربيعة وأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة
(1) الحديث طويل، رواه الطبري وابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما. وذكره المفسرون كابن جرير والقرطبي والسيوطي في الدر المنثور وابن كثير.
(2)
عين ماء.
(3)
قطعا.
(4)
مقابلة وعيانا.
(5)
ذهب.
والنضر بن الحارث وأمية بن خلف وأبي البختري: لن نصدق برسالتك حتى تفجّر لنا من الأرض ينبوعا من الماء يتدفق، وهو العين الجارية، فإنا في صحراء.
- أو تكون لك جنة (أي بستان) من النخيل والأعناب وبقية الثمار، تتدفق فيها الأنهار وتسقى بها الزروع والأشجار.
- أو تسقط السماء علينا كسفا، أي قطعا قطعا، كما زعمت أن ربك يفعل ذلك إن شاء.
- أو تأتي بالله والملائكة معاينة ومواجهة، فيحدثونا بأنك رسول من عند الله.
ومعنى قوله تعالى: وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا أي مقابلة وعيانا، أو ضامنا وزعيما بتصديقك.
- أو يكون لك بيت من زخرف، أي من ذهب. فإنك يتيم فقير. والزخرف: هو ما يتزين به، من ذهب أو غيره. والمراد به هنا: الذهب.
- أو ترقى (أي تصعد) في السماء على سلّم تضعها، ثم ترقى عليها، ونحن ننظر، ولن نصدق لارتقائك حتى تأتي لنا بكتاب نقرؤه، فيه تصديقك أنك رسول من عند الله. وقائل هذه المقالة: هو عبد الله بن أبي أمية فإنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب، أي كتاب له، فيه: من الله عز وجل إلى عبد الله بن أبي أمية. وطلبت جماعتهم مثل هذا الطلب.
فأمر الله نبيه أن يقول: سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا أي تنزيها لله من الإتيان إليكم، مع الملائكة قبيلا، ومن أن يخاطبكم بكتاب، كما أردتم، ومن أن أقترح على الله هذه الأشياء، وهل أنا إلا بشر منكم أرسلت إليكم بالشريعة، فإنما عليّ التبليغ فقط.
وليس للرسل أن يأتوا بشيء إلا بما يظهره الله على أيديهم بحسب الحكمة الإلهية