الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليعلم الناس صوت خلخالها، لأنه مظنة الفتنة والفساد، ولفت النظر وإثارة المشاعر غير الشريفة، وما أوقع وأحكم خاتمة الآية، فهي تأمر جميع الناس بالتوبة الخالصة، وبطاعة الله، والإنابة إليه، ليتحقق الفوز والفلاح وسعادة الدنيا والآخرة.
الترغيب في الزواج والاستعفاف
ما من نهي عن شيء ضار في الإسلام إلا ويقابله الأمر بممارسة شيء نافع، فقد نهى الله تعالى عما لا يحل، مما يؤدي إلى الفاحشة من إرسال البصر والتلوث بالمنكر، ثم أعقبه ببيان طريق الحل وهو الزواج المؤدي للعفة والصون، وبقاء النوع الإنساني، وحفظ الأنساب، ودوام الألفة والمحبة، وبناء الأسرة القويمة، لذا رغب الشرع الحنيف بالزواج والاستعفاف، وحذر من البغاء، وحض على تحرير الأرقاء، وإعتاق العبيد، والتخلص من ظاهرة الرق الشاذة، وندب إلى مكاتبة ملك اليمين على عوض مقسط، إذا احتاج السيد لذلك، ورغّب الموسرين في مساعدة المكاتبين على أداء بدل الكتابة للتحرر السريع، قال الله تعالى مبينا هذه الأمور المتعلقة بالزواج والعفة وتحرير الأنفس:
[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 33]
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)
«1» «2» «3» «4» [النور: 24/ 32- 33] .
(1) من لا زوج لها، ومن لا زوجة له.
(2)
يطلبون المكاتبة من مماليككم. [.....]
(3)
الزنا.
(4)
تعففا.
هذه الآية خطاب للأولياء المأمورين بتزويج من لا زوج له ومن لا زوجة له، والمعنى: زوّجوا أيها الأولياء الأيامى: وهم كل رجل أو امرأة لا زوج لهما، وزوّجوا الصالحين من الأولاد والإماء للزواج، وهذا الأمر للندب والاستحسان.
والصلحاء: هم القائمون بأوامر الدين، المبتعدون عن النواهي والمحظورات، وظاهر الآية: أن المرأة لا تتزوج إلا بولي، سواء كانت صغيرة أو كبيرة.
ولا يتعلل الأولياء بفقدان المال، فالله تبارك وتعالى وعد بإغناء الفقراء المتزوجين، طلبا لرضا الله عنهم، واعتصاما من معاصيه، فلا تنظروا إلى مشكلة الفقر، فقر الخاطب أو المخطوبة، فإن في فضل الله ما يغنيهم، والله غني ذو سعة، لا تنفد خزائنه، ويبسط الرزق لعباده على وفق الحكمة والمصلحة، ويخص الأزواج بمزيد من العطاء، لاستمرار الحياة الزوجية، قال عمر رضي الله عنه: عجبي ممن لا يطلب الغنى بالنكاح، وقد قال الله تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
وأخرج ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة، كلهم حق على الله عونه: المجاهد في سبيل الله، والناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء» .
ثم أمر الله تعالى كلّ من يتعذر عليه الزواج، ولا يجده بأي وجه تعذّر: أن يستعفّ، حتى يتيسر له الغنى، ويتفضل الله عليه بالإغناء، ولا يقنط من رحمة الله وفضله، فإن الله واسع الغنى، تام العلم بأحوال الناس، خلق الخلق وتكفل برزقهم، وإذا كان الإنسان محاطا بعلم الله، ومزودا بنعم الله، فلماذا يعصي ربه؟
ثم أمر الله تعالى المؤمنين كافة أن يكاتب السعادة مماليكهم، وعقد الكتابة:
الاتفاق على أداء مال معين في مدة معينة، يتحرر المملوك بعدها. فإن طلب المملوك الكتابة، وعلم سيده منه خيرا، فيستحب له الموافقة على مكاتبته.
وسبب نزول الآية: أن غلاما لحويطب بن عبد العزّى سأل مولاه الكتابة، فأبى عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وكاتبه حويطب على مائة دينار، ووهب له منها عشرين دينارا، فأداها، وقتل يوم حنين في الحرب.
ورغب القرآن الكريم السادة في ترك شيء للعبد المكاتب من أقساط الكتابة بقوله تعالى: وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ قال المفسرون: هو أمر لكل مكاتب أن يضع للعبد من مال كتابته. واستحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يكون ذلك ربع الكتابة. وهذا مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث
روى عبد الرزاق وغيره عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يترك للمكاتب الربع» .
ثم نهى الله تعالى المؤمنين عن الكسب الحرام، فذكر: لا تجبروا إماءكم على الزنا، سواء أردن التعفف عنه أو لا، بقصد الحصول على أعواض مادية، وأما قوله سبحانه: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً فهو قيد لحكاية الحال التي كانت قائمة، وبيان الواقع الذي نزلت الآية بسببه، لما
أخرجه ابن مردويه عن علي رضي الله عنه: أنهم كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا، ليأخذوا أجورهن، فنهوا عن ذلك في الإسلام، ونزلت الآية.
وكان عبد الله بن أبي بن سلول يأمر أمته محسيكة أو معاذة بالزنا والكسب به، وإذا كان تشغيل الأمة في البغاء لعوض مالي محرما شرعا، فمن باب أولى أن يكون طلب البغاء مجانا ممنوعا أيضا. وقوله تعالى: عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا في هذه الآية: الشيء الذي تكتسبه الأمة بفرجها.
ومن يقدم على إكراه الإماء على البغاء من غير رضا منهن، فإن الله تعالى بعد إكراههن غفور لهن، رحيم بهن، كما أنه سبحانه غفور للمكرهين إن تابوا وأنابوا.