الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن ربّك أيها النّبي محمد الذي أحسن إلى العرب وغيرهم بإرسالك لهم لهدايتهم، لقادر على الانتقام منهم، وهو الرّحيم بهم إذ لم يعجّل عقابهم وإهلاكهم، بقبول توبتهم، كما أنه رحيم بأهل الإيمان الذين أطاعوا الله والرسول، وعملوا بما يرضي الله، ولم يعرضوا عن شيء مما جاء في كتاب الله ووحيه.
دعوة نوح عليه السلام إلى الإيمان
لقد استضاءت الحياة الإنسانية- منعا لتعثّرها وانحرافها- بموكب النّور الإلهي من القديم، وعبر التاريخ، وإلى يوم القيامة، متمثّلا ذلك بإنزال الكتب الإلهية والصّحف، وبإرسال الرّسل والأنبياء، وكانت دعوتهم واحدة، تنحصر في إثبات وجود الله وتوحيده، (الإلهيات) والإقرار بالوحي والنّبوة (النّبوات) والإيمان بعالم الغيب (القيامة) بخبر الصادق المصدوق، وبدأت رسالة نوح عليه السلام هذا الموكب بالدعوة إلى توحيد الله وعبادته وطاعته، وهجر عبادة الأصنام والأوثان، فما آمن به إلا قليل، وترفّع الأكابر والأشراف، واتّهموا أتباعه بأنهم أخسّاء أراذل سفلة. حكى القرآن الكريم هذا الواقع في الآيات التالية:
[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 122]
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَاّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلَاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)
إِنْ أَنَا إِلَاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)
ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)
«1»
(1) الأدنياء من الناس. [.....]
»
«2» «3» [الشّعراء: 26/ 105- 122] .
هذه قصة أول رسول بعثه الله إلى النّاس، بعد أن عبدوا الأصنام والأوثان، وهو نوح عليه السلام الذي مكث يدعو قومه لعبادة الله ألف سنة إلا خمسين، فكذّبه قومه، حيث ذكر الله سبحانه: كذب قوم نوح رسل الله، والمراد نوحا عليه السلام، لأن من كذّب رسولا واحدا، فقد كذّب جميع الرّسل، وذلك حين قال لهم أخوهم إخاء جنس في الإنسانية والقومية: ألا تخافون الله في عبادتكم غيره؟! ثم وصف نوح عليه السلام نفسه بصفتين بقوله: إني رسول من الله إليكم، أمين فيما بعثني الله به لكم، فخافوا عذاب الله وانتقامه، وأطيعوني فيما آمركم به من توحيد الله وعبادته وطاعته. ولا أطلب منكم أجرا أو جزاء على نصحي لكم، إن ثوابي على الله ربّ العوالم كلها من إنس وجنّ. فاتّقوا الله باتّباع أوامره واجتناب نواهيه، وكرّر ذلك للتوكيد، لأن التقوى والطاعة أساس الدين، وكلمة جامعة للدّين كله.
فأجابوه مستكبرين بعنصرية وترفّع: كيف نصدّقك، وقد اتّبعك الأراذل السّفلة في المجتمع؟ وكيف نتأسى بهم، فإنهم ضعاف الناس وأدنياؤهم وفقراؤهم، أي هم أهل الصنائع الخسيسة، ونحن السّادة أصحاب النّفوذ والثّراء.
فأجابهم نوح عليه السلام: لا علم لي بأعمال هؤلاء وصنائعهم، ولا أبحث عن شؤون معيشتهم وأساليب حياتهم، وليس في نظري وعلمي بأعمالهم ومعتقداتهم فائدة، فإنما أتعامل مع ظواهرهم، ويبقى حسابهم على الله تعالى، فإن كنتم ذوي
(1) فاحكم.
(2)
السفينة أو السّفن.
(3)
المملوء.