الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تستحق الشكر والحمد، والاستدلال بها على قدرة الله تعالى، حيث يشرب الناس من ألبانها النقية، غير المختلطة بأخلاط البطن، وينتفعون بمنافعها الكثيرة، من أصواف وأوبار وأشعار، للباس والفرش، ويأكلون من لحومها بعد ذبحها، ويركبون على ظهورها، ويحملون عليها الأحمال، كالسفن التي تشق عباب البحار والأنهار.
دعوة نوح عليه السلام إلى التوحيد
تعرضت البشرية مع الأسف الشديد لظاهرة الانحراف في العقيدة والوثنية والشرك من عهودها الابتدائية الأولى، في عصر نوح عليه السلام أبي البشر الثاني، فكانت دعوة نوح القوية إلى توحيد الله، والابتعاد عن الشرك وعبادة الأوثان، لتتخلص الإنسانية من هذا المرض الخطير، واستمر تذكير الناس وبخاصة قبيلة قريش في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بمصير قوم نوح الذين كفروا وأشركوا، فأبيدوا وأهلكوا، وفي هذا وعيد شديد بأن يحل بهم بلاء، مثلما حل بأولئك، والعاقل من اتعظ بغيره، ونوح عليه السلام أول نبي أرسل إلى الناس، وإدريس عليه السلام أول من نبّئ ولم يرسل. وهذا ما أخبر به القرآن في شأن نوح وقومه:
[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 26]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَاّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (26)
«1» «2» «3» «4» [المؤمنون: 23/ 23- 26] .
المعنى: تالله لقد أرسلنا نوحا عليه السلام إلى قومه، فدعاهم إلى عبادة الله وحده
(1) أشراف القوم وسادتهم.
(2)
يترأس عليكم.
(3)
به جنون.
(4)
انتظروا.
لا شريك له، فليس لكم إله غير الله، ألا تتقون؟ أي ألا تخافون من الله بإشراككم به شريكا آخر؟ فإن الله هو الخالق القادر، وينتقم ممن عاداه، ونسب إليه الشريك.
فقال الملأ أي أشراف القوم وسادتهم الذين كفروا من قومه وعبدوا الأوثان: ما نوح إلا بشر مثلكم، ورجل منكم، يريد أن يتميز ويترفع عنكم بادعاء النبوة، ولا ميزة له من علم ولا خلق، فكيف يكون نبيا يوحى إليه دونكم وهو مثلكم؟! ويمنع نبوته ثلاثة أشياء بحسب زعمهم:
1-
لو أراد الله أن يبعث نبيا، لبعث أحد الملائكة من عنده، لأداء رسالته، ولم يكن بشرا، وهذا إنكار لكون النبي بشرا، وتصور بأن النبوة تكون من عنصر أسمى من البشر وهم الملائكة. وهذا يناقض حقيقة الرسالة، فإن الرسول طبعا وعقلا ينبغي أن يكون من جنس المرسل إليه، حتى يتفاهم معه، ويناقشه في الإلهيات والنبوات.
2-
ما سمعنا ببعثه: البشر في عهد الآباء والأجداد في الأزمان الغابرة، وهذا يكون بسبب تبعتهم في التقليد للأسلاف، وإهمال دور العقل والوعي، والإصرار على الكفر والجحود من غير برهان مقبول.
3-
وقالوا وما نوح إلا رجل مجنون، فيما يزعم أن الله أرسله إليكم، وخصه بالوحي والنبوة دونكم، وهذا اتهام رخيص يصدر من مفلس الحجة، وسطحي التفكير، والمتصف ببلاهة العقل، فإن العوام السطحيين لا يجدون لتسويغ انحرافهم غير اللجوء إلى تسفيه العقلاء، والتشكيك في حكمة الحكماء، ثم إنهم بعد هذا الاتهام يتواصون فيما بينهم بأن ينتظروا الموت لنوح، في زمن قريب، فيستريحوا منه ومن دعوته.
وقولهم: فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ أي انتظروا هلاكه إلى وقت. ولم يعيّنوه، وإنما أرادوا إلى وقت يريحكم القدر منه.