الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يفيد صاحبه في الدّارين. وخطاب بني إسرائيل بالصلاة بعد الإيمان كان قبل نزول التوراة، لأنها لم تنزل إلا بعد إجازة البحر وإهلاك فرعون وجنوده في اليم.
ومن ثمار الإيمان الحق: التّفاني في مرضاة الله وتقديم الدين على الدنيا، لذا قدمت الطائفة المؤمنة بموسى عليه السلام الحماية من الفتنة الإيمانية وعدم المحنة في الدين، على نجاة أنفسهم من ظلم القوم الظالمين، فقالوا أولا: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ثم قالوا: وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) .
-
4- دعاء موسى على فرعون وملئه
حينما ييأس الرّسول النّبي من إجابة دعوته عند قومه، قد يدعو عليهم بإذن من ربّه، وهذا ما فعله موسى عليه السلام الذي دعا قومه في مصر لتوحيد الإله، زمنا طويلا، فدعا الله عليهم بالهلاك والإبادة حتى تتهيأ الأرض لجيل آخر يستجيب لدعوة الإيمان. وكان دعاء موسى عليه السلام متميزا ببيان سبب الدعاء، وهذا ما وصفه القرآن الكريم في قوله تعالى:
[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 89]
وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89)
«1» «2» [يونس: 10/ 88- 89] .
غضب موسى عليه السلام من أقباط مصر، فدعا عليهم، وقدم للدعاء تقرير نعم
(1) أتلفها وأزلها.
(2)
اطبع عليها.
الله عليهم وكفرهم بها، قائلا: ربّنا آتيت فرعون وأشراف قومه من الدنيا والنعمة ما أبطرهم، وهو الزينة الشاملة من حلي ولباس وأثاث ورياش وأموال كثيرة ومتاع الدنيا ونحوها من الزروع والأنعام، وأدى التّرف والنعيم بهم أن تكون عاقبة أمرهم إضلال عبادك عن الدين، والطغيان في الأرض، والإسراف في الأمور كلها.
واللام في قوله تعالى: رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ تسمى لام العاقبة والصيرورة، أي إن النعمة آلت بهم وصارت إلى الضّلال والانحراف، مثل اللام في قوله تعالى:
فَالْتَقَطَهُ «1» آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً والمعنى: آتيتهم تلك النّعم، فصار أمرهم إلى كذا، وكان عاقبة قوم فرعون من النّعم هو الضّلال والكفر وتأليه فرعون.
رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ أي ربّنا أمحق وأزل آثار أموالهم وأهلكها، واختم على قلوبهم واجعلها قاسية، حتى لا تنشرح للإيمان، فيستحقّوا شديد العقاب، ولا يؤمنوا حتى يشاهدوا العذاب المؤلم الشديد الإيلام. وجعل موسى في دعائه رؤية العذاب نهاية وغاية، وذلك لعلمه من قبل الله تعالى أن المؤمن عند رؤية العذاب لا ينفعه إيمانه في ذلك الوقت ولا يخرجه من كفره، وكان دعاء موسى مشتملا على عقابين: مادي ومعنوي. أما المادي فهو تدمير أموالهم وإهلاكها. وأما المعنوي: فهو الطبع والختم على قلوب قوم فرعون بالكفر ومنع نفاذ الخير إليها.
ثم أجاب الله هذه الدعوة في فرعون نفسه وقومه معه، بالغرق، وروي عن ابن جريج ومحمد بن علي والضّحاك: أن الدعوة لم تظهر إجابتها إلا بعد أربعين سنة، وحينئذ كان أمر الغرق. وروي أيضا أن هارون كان يؤمّن على دعاء موسى عليه السلام فلذلك نسب الدعاء إليهما.
لقد أجيبت دعوتكما يا موسى وهارون، وقبلنا دعاءكما كما سألتما من تدمير آل
(1) أي الطفل موسى في التّابوت.