الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وادّرع بالصبر واستعان بالله تعالى على ما وصفوا من أكاذيب. قال الله تعالى مصوّرا هذه الفعلة الشنيعة:
[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]
قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (12) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (13) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (14) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (15)
وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (16) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» [يوسف: 12/ 11- 18] .
هذا النّص القرآني واضح كل الوضوح، ولكنا نستلهم منه مواقف معينة وأخلاقا بشرية ملتوية، لا يرضاها أحد من البشر الأسوياء، وتسخط المولى عز وجل. أظهر إخوة يوسف أنهم ناصحون لأخيهم مشفقون محبّون للخير، فلم لا يرسله أبوه معهم للهو والتسلية، وتناول طيبات الفاكهة والبقول. وكان هذا التظاهر بالحبّ والشفقة وإعطاء العهد بالمحافظة عليه، في مقابل معرفتهم أن أباهم يحبّ يوسف، وأن هذا الحبّ يغضبهم، فما كان يطمئن لهم، وهم يعرفون حرص أبيهم على يوسف.
فبادرهم الأب الشيخ الكبير بإبداء المخاوف وإظهار الحزن على أخذهم يوسف للنزهة والاستجمام، واحتمال أكل الذئب له، فأجابوه بأساليب المكر والخداع بأنهم
(1) يتوسع في المآكل الطيبة.
(2)
يسابق ويلهو بالسهام ونحوها.
(3)
عزموا.
(4)
في قعر البئر.
(5)
نتسابق في رمي السهام.
(6)
زيّنت وسهّلت.
جماعة عشرة من الرجال الأشداء الأقوياء، فكيف يعجزون عن مقاومة الذئاب والوحوش الضارية؟! تضمن اعتذار يعقوب عليه السلام أمرين: أن فراقه يوسف مما يحزنه، وخوفه عليه من الذئب إذا غفلوا عنه أثناء لهوهم. وكأنه لقّنهم الحجة والجواب، فلا يليق بهم التفريط بأخيهم، ولو حدث ذلك لكانوا خاسرين أي هالكين عاجزين، لا خير فيهم ولا نفع.
ولكنهم غفلوا عن إحاطة علم الله بأحوالهم، وحدثت المفاجأة أنهم لما صمموا على إلقاء يوسف في الجبّ، أي البئر المعروف لديهم، أوحى الله ليعقوب أنه ليخبرنهم بما فعلوا، وهم لا يشعرون بما أوحى الله لنبيّه، لهول الموقف، وقصر نظرهم، وقلّة وعيهم ومعرفتهم.
وينتهي المشهد المخزي والمفضوح، ويعود الإخوة الجناة في آخر اليوم إلى أبيهم، منتحلين الأعذار الكاذبة والواهية معا، فتباكوا في العشاء بالدموع الكاذبة، وكذبوا على أبيهم يعقوب أنهم أثناء لعبهم وتسابقهم وتركهم يوسف حارسا عند أمتعتهم، ودلّت أقوالهم بنحو سافر على كذبهم وسخفهم، وزعموا أن الذئب المفترس أكل أخاهم، وأحسّوا ضمنا بالكذب حين قالوا لوالدهم: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ- أي مصدق- لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ قال المبرد: كأنهم أخبروا عن أنفسهم أنهم صادقون في هذه النازلة، فهو تماد منهم في الكذب.
وزادوا في التدليس والتمويه أنهم كما روي: أخذوا سخلة (ولد ضأن) أو جديا، فذبحوه ولطّخوا به قميص يوسف، وقالوا ليعقوب: هذا قميصه، فأخذه ولطّخ به وجهه وبكى. ثم تأمّله، فلم ير خرقا ولا أثر ناب، فاستدلّ بذلك على كذبهم، وقال لهم: متى كان الذئب حليما، يأكل يوسف، ولا يخرق قميصه؟ وهذا دليل على أن