الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموقفين أن إبراهيم أبو العرب، وكانوا معترفين بملته ودينه، فوّجه القرآن قريشا ومن على شاكلتهم إلى منهج إبراهيم في دعوته للتوحيد، من خلال حجاجه مع أبيه آزر، كما توضح الآيات التالية:
[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 46]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45)
قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)
«1» «2» «3» «4» [مريم: 19/ 41- 46] .
هذه هي القصة الثالثة في سورة مريم بعد قصة زكريا ويحيى، وعيسى ومريم عليهم السلام، وهي قصة إبراهيم في جداله العقلي مع أبيه الوثني، ذكرت القصة لأهداف كثيرة، تفيد في تأييد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قومه في مكة لتوحيد الله، ونبذ عبادة الأصنام.
وفاتحة القصة: واذكر يا محمد الرسول إبراهيم الصدّيق النبي، خليل الرحمن، وأب الأنبياء، فإنه امتاز بقوته في الحق وتصديقه بآيات الله وصدقه في دعوته ورسالته. اذكره واتل خبره في القرآن في موقفه العظيم حين قال بلطف وعقل، وتقديم برهان مفحم لأبيه آزر: يا أبي، وإن كنت ابنك وأصغر سنا منك، قد بلغني من العلم القاطع والدليل الساطع من الله تعالى ما لم يبلغك، ولم تطلع عليه، فاتبعني في دعوتي لتوحيد الله رب العالمين، وترك الشرك والوثنية، أرشدك طريقا سويا مستقيما، موصلا لنيل المطلوب، منجيا من كل مكروه.
يا أبي العزيز، لا تطع الشيطان في عبادتك الأصنام، فإنه داع لعبادتها، وهو كثير العصيان لربه، مخالف أمره، مستكبر عن عبادته، حين ترك أمر الله في السجود لأبينا
(1) طريقا مستقيما. [.....]
(2)
كثير العصيان.
(3)
قرينا تليه ويليك في النار.
(4)
اجتنبني.
آدم عليه السلام، وقد لعنه الله وطرده من رحمته، وأبقاه لفتنة الناس، ليعرف المجاهد المؤمن المتخلص من وساوسه، والمنقاد لأباطيله.
يا أبي، إن أخشى أن يصيبك عذاب من الله على شركك وعصيانك لما أطلبه منك، فتكون بذلك مواليا للشيطان، وقرينا معه في النار، بسبب موالاته، وهذا تحذير شديد من الابن لأبيه من سوء العاقبة والمصير، وإنذار بالشر، حيث يتبع وساوس الشيطان وإغراءاته، ولا يكون له مولى ولا ناصر إلا إبليس، مع أنه لا سلطان له على شيء، ولا يستطيع حماية نفسه ولا غيره من عذاب الله، فيكون اتباع الشيطان مجلبة للضلال، وموقعا في العذاب، كما جاء في آية أخرى: تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63)[النحل: 16/ 63] .
وعلى الرغم من هذا الأدب الجم وإيراد البراهين الدالة على بطلان عبادة الأوثان في نقاش إبراهيم لأبيه، أجاب الأب ابنه جوابا حادّا متسما بالإصرار والعناد، ومهددا بالقتل، فقال له: أمعرض أنت عن آلهتي الأصنام إلى غيرها يا إبراهيم، فإنك إن لم تنته عن ذلك الموقف وعن السب والشتم والتعييب، لأرجمنك بالحجارة أو لأشتمنك، وفارقني زمنا طويلا أو مدة من الدهر، روي أن آزر كان ينحت الأصنام وينجزها بيده ويبيعها ويحض عليها، فأقر ابنه إبراهيم أولا على رغبته عنها، ثم أخذ يتوعده.
لقد قابل الأب ابنه بالعنف، فلم يقل: يا بني، كما قال إبراهيم: يا أبت، وقابل وعظه الرقيق وبرهانه المقنع بالتهديد والوعيد بالقتل، أو الضرب بالحجارة، وفي ذلك إيناس للنبي صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من أذى قومه، وغلظة عمه أبي لهب، وعنجهية أبي جهل فرعون هذه الأمة.