الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكافرين، وتنهار آمال الظالمين، ويبدأ تنفيذ الأحكام القطعية الصادرة عن الحق سبحانه وتعالى، فلا يجد الإنسان ملاذا ولا ملجأ، ولا نصيرا سوى الله جل جلاله.
ثواب المهاجرين
لقد قام دين الله وانتشرت دعوة محمد بن عبد الله في الآفاق بفضل جهاد النبي صلى الله عليه وسلم، وبفضل تضحيات أصحابه وأتباعه وأنصاره، فهم الذين سطروا لأنفسهم بحروف من نور صفحات الخلود، وتركوا الأوطان، وهجروا السوء والضلال، من أجل إرضاء الله تعالى والعمل المخلص لله عز وجل، ومن هنا سجل القرآن المجيد موقف الفخار والاعتزاز للمهاجرين الأولين من مكة إلى المدينة، لنصرة رسول الله وتأييد دعوته، وجهاد أعدائه، ودفع شر المعتدين، قال الله تعالى مبينا مدى إحسانه وفضله على الذين هاجروا في سبيل الله:
[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 60]
وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)
«1» «2» [الحج: 22/ 58- 60] .
أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير الطبري عن مقاتل أن آية: ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ
…
نزلت في سرية بعثها النبي صلى الله عليه وسلم، فلقوا المشركين لليلتين من المحرّم، فقال المشركون بعضهم لبعض: قاتلوا أصحاب محمد، فإنهم يحرّمون القتال في الشهر الحرام، فناشدهم الصحابة، وذكّروهم بالله: أن لا يتعرضوا لقتالهم، فإنهم لا
(1) الجنة.
(2)
ظلم بإعادة العقاب.
يستحلون القتال في الشهر الحرام، فأبى المشركون ذلك، وقاتلوهم، وبغوا عليهم، فقاتلهم المسلمون، ونصروا عليهم، فنزلت هذه الآية.
هذا وعد كريم من الله تعالى للمهاجرين المجاهدين. فلما مات بالمدينة عثمان بن مظعون، وأبو سلمة بن عبد الأسد، قال بعض الناس: من قتل من المهاجرين، أفضل ممن مات حتف أنفه، فنزلت هذه الآية: وَالَّذِينَ هاجَرُوا مسوّية بينهم في أن الله تبارك وتعالى يرزق جميعهم رزقا حسنا، وليس هذا بقاض بتساويهم في الفضل.
وظاهر الشريعة: أن المقتول في الجهاد أفضل. والجنة درجات. ويستوي جميع المهاجرين في الرزق الحسن وهو الجنة، فالذين خرجوا مهاجرين في سبيل الله وتركوا أوطانهم ابتغاء مرضاة الله، ثم قتلوا في الجهاد، أو ماتوا قضاء وقدرا من غير قتال، ليمنحنهم الله الجنة، وليرزقنهم رزقا حسنا، من فضله وكرمه، إن الله هو خير الرازقين، يرزق من يشاء بغير حساب، كما جاء في آية أخرى: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء: 4/ 100] .
إن هذا الرزق الحسن: هو إدخال هؤلاء المهاجرين المجاهدين في سبيل الله موضعا كريما، يرضون عنه، وهو الجنة، أو رزق الشهداء عند ربهم في البرزخ، وإن الله لعليم تام العلم بمن هاجر وجاهد في سبيله، وبمن يستحق ذلك، فهو عليه.
ذلك الأمر المخبر به من إنجاز الوعد للمهاجرين الذين قتلوا أو ماتوا: هو لأنهم ضحوا في سبيل الله، وقاوموا أهل الظلم، فمن عاقب من المؤمنين من ظلمه من الكفرة، أو من اعتدي عليه، وقوتل ظلما، ومن بغي عليه بإلجائه إلى الهجرة ومفارقة الوطن، لينصرنه الله نصرا مؤزرا، إن الله ليصفح عن المؤمنين، ويغفر لهم خطأهم