الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الحجر (15) : الآيات 51 الى 56]
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55)
قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَاّ الضَّالُّونَ (56)
«1» «2» »
[الحجر: 15/ 51- 56] .
تتضمن قصص الأنبياء أخبارا عديدة، منها الوعد والوعيد، ومنها زفّ البشارة بأمر كريم أو عجيب، وهذه إحدى القصص الطريفة للملائكة الكرام ببشارة إبراهيم عليه السلام حال الكبر بإنجاب غلام عليم، أي ذي علم كثير إذا بلغ، هو إسحاق، لقوله تعالى: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ [هود: 11/ 71] .
بدأ الخطاب الإلهي في هذه القصة بأمر النّبي صلى الله عليه وسلم بإخبار قومه عن قصة ضيف إبراهيم، أي عن أصحاب إبراهيم لأن كلمة (ضيف) هنا مصدر وصف به وفد الملائكة، وتطلق على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، أو أن هذا المصدر عومل معاملة الأسماء، ككلمة (رهن) ونحوه. والمراد بالضيف هنا:
الملائكة الذين جاؤوا لإهلاك قوم لوط، وبشّروا إبراهيم عليه السلام بالولد الجديد حين الكبر، وكان إبراهيم يكنى (أبا الضيفان) فقالوا حين دخلوا عليه: سلاما، أي سلاما من الآفات والآلام والمخاوف.
فقال إبراهيم للضيوف: إنا خائفون منكم، لدخولهم عليه بلا إذن، أو لامتناعهم من الأكل، حين قدّم لهم عجلا سمينا حنيذا (أي مشويا بالحجارة المحماة) فلم ير أيديهم تمتدّ للأكل، وكان عندهم العلامة المؤمّنة هي أكل الطعام، وتلك هي علامة دائمة في الدهر أمنة للنّازل والمنزول به. فيكون الامتناع من الطعام دليلا على أن
(1) أضيافه الملائكة.
(2)
خائفون.
(3)
الآيسين من الولد أو الخير.
الضيوف يبيّتون شرّا، كما جاء في قوله تعالى: فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً [هود: 11/ 70] .
فأجابوه بقولهم: لا تَوْجَلْ أي لا تخف، إنا نبشّرك بغلام عليم، أي أتينا لبشارتك بميلاد غلام ذي علم وفطنة وفهم لدين الله لأنه سيكون نبيّا، وهو إسحاق عليه السلام، وذلك بعد مولد إسماعيل بمدة، وقول إبراهيم: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ [إبراهيم: 14/ 39] .
أجاب إبراهيم متعجّبا مستبعدا من مجيء ولد حال كبره وكبر زوجته، ومتحقّقا من الوعد: أبشّرتموني بذلك بعد أن أصابني الكبر، فبأي أعجوبة تبشّرون أو تبشّرونني، فذلك غير متصوّر في العادة، وليس ذلك نفيا لقدرة الله تعالى في خلق العجائب.
فأجابه الملائكة مؤكّدين بشارتهم: قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ أي إننا بشّرناك بما هو حقّ ثابت، فأبشر بما بشّرت به، ودع غير ذلك، فهو صنع الله، ووعده الذي لا يتخلف، فلا تكن من القانطين اليائسين، فالذي أوجد الإنسان من التراب من غير أب ولا أم، قادر على إيجاد الإنسان من أي شيء أراد، كأبوين عجوزين.
ردّ إبراهيم عليه السلام مؤكّدا إيمانه بقدرة الله تعالى وأنه ليس قانطا يائسا، فإنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك، ولا يقنط ولا ييأس من رحمة الله إلا القوم الضّالون، أي المخطئون طريق الصواب. والقنوط: أتم اليأس.
هذه القصة تعلّمنا أدب الضيف، وأسلوبه في الأخبار، وزفّ البشرى، وأن الله قادر على كل شيء، فهو الخالق القادر على تمكين الزوجين من الإنجاب، حتى في سنّ الكبر وفي الوقت غير المعتاد.