الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحوال الناس من الهداية الإلهية
تختلف أحوال الناس من الهداية الإلهية، على ثلاث فئات، فئة دعاة الضلال، وفئة أهل الشك والنفاق، وفئة الأبرار السعداء، ولكل فئة سلوك ومنهاج، وتفكير ونظام، وتسطر كل فئة بيدها خطوط مستقبلها، فلا يكون بعدئذ مجال للاعتراض، أو ادعاء لظلم، أو مفاجأة بواقع المصير، وقد أخبر القرآن الكريم عن هذه الفئات الثلاث في الآيات الآتية:
[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 14]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَاّمٍ لِلْعَبِيدِ (10) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12)
يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14)
«1» «2» «3» «4» «5» [الحج: 22/ 8- 14] .
هذه أحوال ثلاث فئات من الناس. أما الفئة الأولى: فهم دعاة الضلال وأئمة الكفر، وهم الذين يجادلون في توحيد الله وأفعاله وصفاته بلا عقل صحيح، ولا نقل صريح، بل بمجرد الرأي المحض والهوى الخاص. إنهم يجادلون مستكبرين عن الحق وقبوله، بقصد إضلال الناس عن سبيل الله، سبيل الحق والعدل والتوحيد، فيكون عقابهم في الدنيا الخزي، أي الهوان والذل، وفي الآخرة الزجّ بهم في عذاب
(1) أي معرضا عن القرآن كفرا وتعاظما.
(2)
ذل وهوان.
(3)
أي على شك وضعف في الإيمان والعبادة. [.....]
(4)
الناصر.
(5)
الصاحب المعاشر.
النار، وبئس العذاب. وسبب هذه النهاية الوخيمة: هو ما قدموا من الكفر والعصيان، واتباع وساوس الشيطان، فيكون جزاؤهم حقا وعدلا، وليس الله بظالم أحدا من عبيده، وإنما هم الظالمون لأنفسهم. فقوله تعالى: ثانِيَ عِطْفِهِ عبارة عن المتكبر المعرض.
وقد نزلت هذه الآية في أبي جهل، أنذره الله بالخزي (الذل والهوان) في الدنيا، فقتل يوم بدر، أو نزلت في النضر بن الحارث الذي قتل أيضا يوم بدر.
وأما الفئة الثانية: فهم أهل الشك والنفاق والمنفعة، والانتهازيون: وهم الذين يعبدون الله على شك وضعف في العبادة، فإن أصابهم خير مادي من غنيمة ومال، وكثرة نتاج في الماشية، رضوا عن هذا الدين، وإن أصابهم مرض أو فقر أو ضعف نتاج من الماشية، ارتدوا وكفروا، فخسروا أو ضيعوا الدنيا والآخرة، فلم يحصلوا من الدنيا على شيء، من عزّ وكرامة وغنيمة، ولا استفادوا من ثواب الآخرة، لأنهم كفروا بالله العظيم، وذلك هو الخسران البيّن الذي لا خسران مثله. وتأكيدا لعظم تلك الخسارة، ترى هؤلاء المنافقين يعبدون من غير الله آلهة من الأصنام، يستغيثون بها، ويستنصرون، ويسترزقون، وهي لا تضرهم إن لم يعبدوها، ولا تنفعهم في الآخرة إن عبدوها، ذلك الارتداد وعبادة الأصنام: هو الضلال الموغل في البعد، وتراهم أيضا يعبدون من ضرره في الدنيا أقرب من نفعه فيها، وضرره في الآخرة محقق متيقن، لبئس المولى: الناصر هو، ولبئس العشير: الصاحب هو.
وأما الفئة الثالثة: فهم الأبرار السعداء الذين آمنوا بقلوبهم وصدّقوا إيمانهم بأفعالهم وعملوا صالح الأعمال، فيكون جزاؤهم إدخالهم جنات تجري من تحت بساتينها وأشجارها الأنهار، إن الله يفعل ما يريد بإكرام أهل الطاعة والإنابة، ويهين أهل المعصية، ويحرمهم من فضله، يفعل على وفق مراده وإرادته ومشيئته