الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعاندين بابا من السماء، فجعلوا يصعدون فيه، أن تصعد فيه الملائكة، لما صدّقوا بذلك، بل قالوا: إنما منعت وسدّت أبصارنا من الرؤية والإبصار، وقد شبّه علينا، واختلطت الأمور في أذهاننا، وأصبحنا لا نرى إلا أخيلة، كالقوم المسحورين، سحرنا محمد بآياته، كما في آية أخرى: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)[الأنعام: 6/ 7] .
وخلاصة المعنى: بلغ من عناد المشركين في مكة وأمثالهم أنهم لو صعدوا في السماء حقيقة، ورأوا الآيات عيانا، لقالوا: هذه أوهام وأخيلة، وقد سحرنا محمد، وهذا منتهى العناد والإعراض. وتشير الآية إلى وجود الظلام في الفضاء الخارجي.
بعض مظاهر قدرة الله تعالى
يتكرر التّذكير ببعض مظاهر قدرة الله تعالى في آيات القرآن، لا سيما في حال وصف عناد الكفرة والمشركين وتهديدهم بالعذاب، وإنذارهم بالعقاب، فإن الله قادر على كل شيء، وهذا يدعو العقلاء إلى التزام جادة الاستقامة، والزحزحة عن مواقف الكفر وتكذيب الرّسل، ففي الكون أرضه وسمائه عبر منصوبة تدعو للإيمان.
وكفر الكافرين وإعراضهم عنها، أي عن العبر والآيات إصرار منهم وعتوّ، قال الله تعالى مبيّنا بعض آيات قدرته:
[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]
وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (20)
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)
«1» «2» «3» «4» «5» «6»
(1) منازل للكواكب السّيارة.
(2)
مطرود من الرحمة.
(3)
سرق المسموع من السماء.
(4)
أدركه ولحقه.
(5)
شعلة نار ظاهرة للعيان.
(6)
بسطناها للانتفاع بها.
«1» «2» «3» «4» «5» [الحّجر: 15/ 16- 25] .
هذه آيات تذكّر الكافرين بكمال قدرة الله تعالى، وأدلة وحدانيته في السماوات والأرض، وهي مبدوءة بالقسم الإلهي، أي والله لقد أوجدنا في السماء نجوما عظاما من الكواكب الثوابت والسيارات، ذات بروج: أي منازل، والمراد هنا منازل الشمس والقمر والنجوم السّيارة، وزيّنا السماء للناظرين المتأمّلين فيها. ومنعنا الاقتراب من السماء، كل شيطان رجيم، أي مرجوم بالشّهب، كما دلّت الأحاديث الصّحاح. لكن من استرق السمع وحاول معرفة الأسرار الإلهية، فإنه يدمّر بشهاب واضح، أي بجزء منفصل من الكوكب، وهو نار مشتعلة، فتحرقه. ودلّت الأحاديث على أن الرجم كان في الجاهلية، ولكنه اشتدّ في وقت الإسلام، وحفظت السماء حفظا تامّا.
وجعل الله تعالى الأرض في مرأى العين ومن أجل التمكن من الانتفاع ممدودة الطول والعرض، ممهدة للانتفاع بها، وثبّت الله الأرض بإلقاء الجبال الرواسي في جوانبها المختلفة، كيلا تضطرب بالإنسان، وأنبت الله في الأرض الزروع والثمار المناسبة، المقدرة بميزان معلوم، فقوله تعالى: وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ أي أوجدنا فيها كل شيء مقدّر بقدر معلوم، موزون بميزان الحكمة، مقدّر محدّد بقصد وإرادة.
(1) جبالا ثوابت.
(2)
مقدر بحكمة.
(3)
أرزاقا للعيش.
(4)
مصادر إمداده.
(5)
حوامل للسحاب وملقحات للأشجار.
وجعل الله في الأرض معايش، أي أعدّ للناس أسباب المعيشة والحياة الملائمة، من غذاء ودواء، ولباس وماء ونحو ذلك، وجعل فيها أيضا الخدم والدّواب والأنعام التي لستم أيها العباد برازقين لها، وإنما يرزقها الله وإياكم.
ثم أخبر الله تعالى أنه مالك كل شيء، وأن كل شيء يسير سهل عليه، وعنده خزائن الأشياء من جميع الأصناف، من نبات ومعادن، ومخلوقات لا حصر لها، فكل ما ينتفع به الناس في الكون، الله قادر على تكوينه وإيجاده، ولا يعطيه ولا يمنحه إلا بمقدار معلوم.
وأرسل الله الرياح الخيرة تحمل السّحب المشبعة بالرطوبة لإنزال الأمطار، وجعل الرياح واسطة لتلقيح الأشجار، بنقل طلع الذكور ولقاحها للإناث، ليتكون الثمر، كما يسوق الله الغيوم بالرياح لإنزال الأمطار التي تسقى بها الزروع والثمار والمواشي، كما قال الله تعالى: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء: 21/ 30] .
ومن أعظم النّعم أن الله تعالى خازن الأمطار في السّحب وجوف الأرض، وليس البشر بخازنين ولا حافظين له، وينزله الله ويحفظه في الأرض، ويجعله ينابيع، ولو شاء الله تعالى لغوّره وذهب به في أعماق الأرض، ولكن من رحمته أبقاه للناس طوال السنة.
ومن عظيم قدرة الله: إحياء الخلق من العدم ثم إماتتهم ثم بعثهم أحياء، وينفرد الله حينئذ بإرث الأرض ومن عليها، والله يعلم كل من تقدّم وهلك من لدن آدم عليه السلام، ومن هو حيّ، ومن يتأخر وجوده إلى يوم القيامة. ثم إن الله يحشر الناس ويجمعهم إليه جميعا يوم القيامة، ليحاسبهم، إنه سبحانه حكيم يضع الأشياء في محالّها ويتقنها، واسع العلم، أحاط علمه بكل شيء. وكل ذلك دليل على قدرة الله تعالى وتوحيده وإيجاب عبادته.