الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النّبي، لإزالة كل ما قد يعلق في الذهن من مزاعم وأباطيل، ولإحقاق الحقّ وإظهار نصاعته وقوّته في صراع الباطل، وبقائه أمرا ثابتا خالدا على ممرّ الزمان. وبالمناسبة أبان الله تعالى دور الشياطين في أخيلة الشعراء الذين يتّبعونهم ويستمعون لإيحاءاتهم، ما عدا أهل الإيمان والصلاح الذين يعتدلون في إنشاد أشعارهم وإبداع قصائدهم، فيبتعدون عن المبالغات، ويلتزمون سداد القول. قال الله تعالى في الرّدّ على افتراءات مشركي مكة وأمثالهم:
[سورة الشعراء (26) : الآيات 221 الى 227]
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (223) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
«1» «2» [الشّعراء:
26/ 221- 227] .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهما من الأنصار، والآخر من قوم آخرين، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه، وهم السّفهاء، فأنزل الله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) الآيات.
ومعنى الآيات يتضمن الرّد على افتراءين للمشركين حول القرآن والرسول، وهما الكهانة والشعر. فليس القرآن من جنس ما تتلقّاه الكهنة عن الشياطين، وليس هو من الشعر في شيء، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كاهنا ولا شاعرا.
أما الرّد على الفرية الأولى فمضمونه: هل أخبركم خبرا حقيقيّا نافعا لكم، ألا وهو: من الذي تتنزل عليه الشياطين؟ إنه استفهام وتقرير. تتنزل الشياطين على كل
(1) كثير الكذب.
(2)
يخوضون.
أفّاك، أي كذّاب، آثم، فاجر فاسق، من الكهنة المتنبّئين، وهم الذين كانوا يتلقّون من الشيطان الكلمة الواحدة التي سمعت من السماء، فيخلطون معها مائة كذبة، فإذا صدقت تلك الكلمة، كانت سبب ضلالة لمن سمعها، إن الشياطين يلقون السمع المسموع من الملائكة، ويكذّبون فيما سمعوه، وأكثر الشياطين كاذبون فيما يوحون به إلى الكهنة، لأنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا، فتكون أخبار الكهنة مبنية على الإفك والكذب. وهذا يقتضي نفي كلامهم عن كلام الله تعالى، فإن ما يقول الشياطين ليس هو كلام الله سبحانه.
وكذلك الشعراء يبتعد كلامهم عن كلام الله تعالى في القرآن، إذ قال بعض الكفرة في القرآن: إنه شعر مثل شعر الجاهلية.
إن الشعراء هم القادة إلى النار، يتّبعهم الضّالّون من الإنس والجنّ، المنحرفون عن جادة الحقّ والاستقامة، ويأخذ بأقوالهم المستحسنون لأشعارهم، المصاحبون لهم.
ألم تعلم أيها النّبي وكل سامع أن الشعراء يخوضون في كل فنّ من الكلام، ويتناقضون مع أنفسهم، إنهم يمدحون الشيء بعد أن ذمّوه، ويذمّون الشيء بعد أن مدحوه. وأكثر قولهم الكذب، فهم يقولون ما لا يفعلون، ويدّعون ما لم يكن حادثا، ويبالغون في الوصف، ويقولون ما مبعثه محض الخيال، البعيد عن الواقع.
ثم استثنى الله تعالى فئة من الشعراء هم صادقون، لاتّصافهم بصفات أربع وهي:
الإيمان، والعمل الصالح، والذّكر الكثير لله تعالى، والانتصار على الظلم والظالمين، وهؤلاء هم شعراء الإسلام كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة.
أما الإيمان: فهو التّصديق بالله ورسوله، وأما العمل الصالح: فهو الجهاد في
سبيل الله ونصرة النّبي والإسلام، والتزام الفرائض والأحكام وأعمال الخير، وأما ذكر الله: فهو أنهم يذكرون الله في أشعارهم كثيرا، وذلك خلق لهم وعادة وعبادة، كما قال لبيد حين طلب منه شعر:«إن الله أبدلني بالشعر القرآن خيرا منه» . وأما الانتصار: فهم يدافعون عن الإسلام والقرآن، ويهجون الظلمة الذين يعارضون عقيدة الإسلام. وهذا إشارة إلى ما قاله شعراء الإسلام من الشعر وغيره في قريش. ثم ختمت الآية بوعيد الظّلمة كفّار مكة، وتهديدهم، فإنهم سيرون عاقبة ظلمهم، وإعراضهم عن تدبّر هذه الآيات.
إن هذه الآية يدخل فيها كل شاعر في الإسلام يهجو أو يمدح بغير حقّ، ويقذف الناس ولا يرتدع عن كل قول دنيء، كما يدخل فيها في الاستثناء كل تقي من شعراء الإسلام يكثر من ذكر الله ويمسك عن كل ما يعاب.