الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد يتعجب سائل فيسأل: كيف يهلك قوم من أجل قتل ناقة؟ والجواب: أن المعادلة أو المساواة لا يصح أن تكون هي أساس الحكم هنا، لأن تواطؤ قبيلة ثمود وأمرهم أشقاها بعقر الناقة دليل على الإصرار على الكفر، والتّمسّك بعبادة الأوثان والأصنام، ورفض دعوة الأنبياء والمرسلين هداة البشرية إلى الحقّ والنّور والخير، فاذا قورنت هذه المساوئ ممثّلة بعقر النّاقة مع ما تؤول إليه من خسارة اجتماعية كبري، ومأساة إنسانية عامّة، هان الأمر، وأدرك الناس عن وعي وتقدير أن معاداة الرسالات الإلهية تنبئ عن معان مثيرة ومواقف مدهشة، وأوضاع قلقة مليئة بالفوضى والمنازعات، فيكون عقر الناقة موجبا لمثل هذا العذاب الاستئصالي ليدرك البشر أن الحقّ والخير في دعوة الأنبياء، ولا يصلح لأحد الوقوف أمامها وتحدّيها.
بشارة إبراهيم عليه السلام بولد عند الكبر
تتعدد مظاهر قدرة الله في خلق الإنسان، فإما أن يخلقه الله مباشرة من غير أب ولا أم كآدم عليه السلام، وإما أن يخلقه من غير أب كعيسى عليه السلام، وإما أن يخلقه من غير أم كحواء أم البشرية، وإما أن يحدث الخلق في الوقت المعتاد زمن الشباب كأغلب الناس، أو يحدث الخلق في حال العجز والشيخوخة والكبر، كخلق يحيى وإسحاق عليهما السلام. وتصف لنا آي القرآن المجيد كيفية ولادة إسحاق من أبوين كبيرين عجوزين هما إبراهيم عليه السلام وامرأته سارّة الآيسة من الحيض، فقال تعالى:
[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]
وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)
«1» «2» «3» .
(1) مشوي بالحجارة المحماة في حفرة.
(2)
أنكرهم ونفر منهم.
(3)
أحسّ في قلبه منهم خوفا.
«1» «2» «3» «4» [هود: 11/ 69- 76] .
لما ولد لإبراهيم أبي الأنبياء عليه السلام إسماعيل من هاجر، تمنّت زوجته الثانية أن يكون لها ابن، وأيست لكبر سنّها، فبشّرت بولد يكون نبيّا، ويلد نبيّا، وكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها.
والقصة في الآيات التي معناها: تالله لقد جاءت رسلنا الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، أو عزرائيل ملك الموت إلى إبراهيم الخليل تحمل له البشارة بولده إسحاق، فلما دخلوا عليه قالوا له: سلاما عليك، قال: سلام عليكم. وهذا أحسن مما حيّوه، لأن صيغة الرفع تدلّ على الثبوت والدوام. فما لبث، أي أبطأ وذهب سريعا، فأتاهم بالضيافة بعجل حنيذ، أي مشوي يقطر ماؤه على الحجارة المحماة. فلما رأى إبراهيم عليه السلام هؤلاء الأضياف لا تمتد أيديهم إلى الطعام، أنكر ذلك منهم، وملأه الذعر والخوف، إذ أدرك أنهم ليسوا بشرا، وربما كانوا ملائكة عذاب. قال ابن عطية: وفي هذه الآية من أدب الطعام أن للمضيف أن ينظر نظرة لطيفة غير محددة النظر إلى ضيفه، هل يأكل أم لا؟
قالوا له: لا تخف، فنحن لا نريد سوءا بك، وإنما أرسلنا لإهلاك قوم لوط، وكانت ديارهم قريبة من دياره. ونحن نبشّرك بولادة غلام عليم لك، يحفظ نسلك،
(1) كثير الإحسان والخير. [.....]
(2)
الخوف.
(3)
كثير التّأوّه خوفا من الله.
(4)
راجع إلى الله تعالى.
ويبقي ذكرك، وهو إسحاق، وبلد من بعده يعقوب الذي من ذرّيته أنبياء بني إسرائيل، ويسمى ولد الولد الولد من الوراء.
وكانت امرأة إبراهيم ابنة عمه (سارّة بنت هارون بن ناحور) واقفة تخدم القوم، وراء ستار، بحيث ترى الملائكة وتسمع محاورة إبراهيم مع أضيافه، فضحكت سرورا بزوال الخوف ونشر الأمن. قال الجمهور: وهو الضحك المعروف، وكان الضحك من البشارة بإسحاق. بشّرتها الملائكة بولد هو إسحاق، وسيلد له ولد هو يعقوب، فقالت لما بشرت بالولد: عجبا كيف ألد، وأنا عجوز كبيرة عقيم، وزوجي في سنّ الشيخوخة لا يولد لمثله، إن هذا الخبر لشيء عجيب، غريب عادة. وكلمة فَبَشَّرْناها أضيف الضمير إلى الله تعالى، وإن كانت البشارة من فعل الملائكة لأن ذلك بأمر الله ووحيه. وروي أن سارّة كانت في وقت هذه البشارة بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم ابن مائة سنة.
فأجابتها الملائكة: كيف تعجبين من قضاء الله وقدره بأن يرزقكما الله الولد وهو إسحاق، فإن الله لا يعجزه شيء في الكون، وهو على كل شيء قدير. ورحمة الله الواسعة وبركاته الكثيرة عليكم يا أهل بيت النّبوة، وقد حدث توارث النّبوة في نسل إبراهيم إلى يوم القيامة، إنه تعالى المحمود في جميع أفعاله وأقواله، المستحقّ لجميع المحامد، الممجّد في صفاته وذاته، فهو محمود ماجد.
ولما ذهب الخوف من الملائكة عن إبراهيم عليه السلام حين لم يأكلوا، وبشّروه بالولد، وأخبروه بهلاك قوم لوط، أخذ يجادل الملائكة وهم رسل الله في هؤلاء القوم، وجعلت مجادلتهم مجادلة لله لأنهم جاؤوا بأمره، وينفذون الأمر، وجداله لأن إبراهيم حليم غير متعجل بالانتقام من المسيء إليه، كثير التّأوّه مما يسوء الناس ويؤلمهم، ويرجع إلى الله في كل أموره، فهو رقيق القلب، مفرط الرحمة. فأجابته