الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة يوسف (12) : الآيات 101 الى 108]
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (105)
وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
«1» «2» «3» «4» «5» [يوسف: 12/ 101- 108] .
ختمت قصة يوسف بخاتمة مؤثرة تصلح عبرة للملوك والحكام، حيث جمع الله ليوسف بين الملك والسلطة، والنّبوة، وأنعم عليه بنعم كثيرة نقلته من السجن والبئر إلى عزّة الإدارة والحكم والسلطة في مصر، فبادر إلى شكر ربّه، بهذا الدعاء الجامع الذي سأل الله فيه أن يجزل له ثواب الآخرة كما أجزل له العطاء في الدنيا. فقال: يا ربّ، قد آتيتني ملك مصر، وعلّمتني بعض التأويلات للأحاديث وتعبير الرّؤيا، ومعرفة أسرار كلامك. يا ربّ يا فاطر السماوات والأرض (أي خالقهما ومبدعهما في أبدع نظام وأحكم ترتيب) أنت ناصري ومتولّي أمري في الدنيا والآخرة، توفّني مسلما خاضعا لك منقادا لأمرك، وألحقني بالصالحين من آبائي: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، فأنت الرحيم الكريم، القادر على كل شيء.
ذلك الإيراد لقصة يوسف عليه السلام وأخباره من أخبار الغيب التي أوحاها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن موجودا في وقت أحداثها، ولا مشاهدا لها، حين عزم
(1) يا مبدع.
(2)
عزموا على الكيد ليوسف.
(3)
كم من آية أي كثير.
(4)
أي نقمة تغشاهم أو عقوبة تحيط بهم. [.....]
(5)
فجأة.
إخوة يوسف على إلقائه في البئر، وهم يمكرون به، أي يدبّرون شيئا به وبأبيه، وإنما ذلك من تعليم الله تعالى له.
علما بأنه ليس أكثر الناس بمصدّقين بدعوتك ورسالتك يا محمد، ولو كنت حريصا على إيمانهم، لتصميمهم على الكفر وعنادهم. وما تسأل منكري نبوّتك يا محمد على تبليغ الرسالة ونصحهم ودعوتهم إلى الخير والرّشد أجرا ولا عوضا، وإنما تفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله وإفادة خلقه، فما عليهم بعد هذا البيان إلا قبول دعوتك، فإن هذا القرآن الذي أرسلك به ربّك هو محض تذكير وموعظة لكل العالمين من الجنّ والإنس.
والسبب في أن أكثر الناس ليسوا بمؤمنين: أنهم في غفلة عن التفكّر في الآيات الكونية والدلائل الدّالة على وجود الله الصانع وتوحيده، وكمال علمه وقدرته، في أنحاء السماوات والأرض من الكواكب والنجوم، والجبال والسهول، والبحار والنباتات والأشجار، والأحياء والأموات، يمرون على تلك الآيات والدلائل ويشاهدها أكثرهم، وهم غافلون عنها، لا يتفكرون بما فيها من عبر وعظات، وكلها تشهد بوجود الله ووحدانيته.
وما يكاد يؤمن أو يصدّق أكثر المشركين بوجود الله إلا وهم ملازمون للشّرك، عاكفون على عبادة الأصنام والأوثان. هذه الآية نزلت بسبب قول قريش في الطّواف والتّلبية: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك. فأنذرهم الله بقوله: أفأمن هؤلاء المشركون بالله أن تأتيهم عقوبة تغشاهم وتشملهم، أو يأتيهم يوم القيامة فجأة، وهم لا يحسّون أو لا يشعرون بذلك. وهذا كما في آية أخرى فيها إنذار وتوبيخ وتهديد: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ