الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استحقوا اللوم والتوبيخ بنهاية الآية، فقال الله تعالى: وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ أي إن الناس عن آيات السماء معرضون غير متأملين ولا مفكرين، وآيات السماء:
كواكبها وأمطارها، والرعد والبرق والصواعق وغير ذلك مما يشبهه.
6-
خلق الليل والنهار، والشمس والقمر، نعمة من الله، ودليلا على عظمة سلطانه، عن طريق دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، ودوران القمر حول الأرض، والشمس والقمر كل منهما يدور ويسبح في فلك خاص معين له، لا يفارقه، والفلك: الجسم الدائر دورة اليوم والليلة، فالكل في ذلك سابح متصرف، وإيجاد الليل لمنافع كثيرة كالراحة والنوم والاستقرار، وإيجاد النهار للتقلب في معايش الدنيا، وخلق الشمس والقمر للإضاءة، وإفادة الزروع والثمار.
الموت نهاية كل حي
لا خلود لأحد من المخلوقات في عالم الدنيا، سواء من الجن والإنس، والملائكة والبشر والحيوان، فمصير الجميع إلى الموت، ثم يأتي يوم القيامة فجأة لحساب الخلائق، ومعرفة المصلح من المفسد، والمؤمن من الكافر، والبرّ من الفاسق والفاجر، فتسود العدالة المطلقة، ويتحقق التناصف بين المخلوقات في الآخرة بعد أن ملئت الأرض جورا وظلما، وهذا ما أعلنه القرآن المجيد في الآيات الآتية:
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 34 الى 41]
وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَاّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38)
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (41)
«1»
(1) نختبركم مع علمنا بحالكم. [.....]
«1» «2» «3» «4» «5» [الأنبياء: 21/ 34- 41] .
سبب نزول هذه الآيات:
أن بعض المسلمين قال: إن محمدا لن يموت، وإنما هو مخلّد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأنكره، ونزلت هذه الآية.
وفي رواية أخرى: نزلت هذه الآية، لما قال الكفار: إن محمدا سيموت قائلين: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور: 52/ 30] .
والمعنى: قضى الله تعالى ألا يخلّد في الدنيا بشرا ولا نفسا، فلن يكتب الخلود لأحد، فلا نخلد أحدا، ولا أنت نخلّدك أيها النبي، وقد قدّر لك أن تموت كسائر الرسل المتقدمين قبلك، فهل إذا مت أيها الرسول يبقى هؤلاء المشركون بربهم؟ لا، بل الكل ميتون، فلا أمل في أن يعيشوا بعدك. وهذا رد على المشركين الذين كانوا يتمنون موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يقدّرون أنه سيموت، فيشمتون بموته، فلا محل لهذه الشماتة لأن الموت نهاية طبيعية لكل حي، حتى الملائكة والجن يموتون، لقوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27)[الرحمن: 55/ 26- 27] .
ثم أكد الله تعالى موت الأنفس بقوله: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ أي كل مخلوق إلى الفناء، وكل نفس ذائقة مرارة الموت، قبل مفارقتها الجسد، فيكون المراد بالنفس هنا: كل نفس مخلوقة.
(1) لا يمنعون.
(2)
فجأة.
(3)
تحيرهم.
(4)
يمهلون.
(5)
أحاط.
والحياة مسرح للابتلاء أو الاختبار بالبلاء والنعمة، وبالشدة والرخاء، وبالشر والخير، ومرجعكم ومصيركم في النهاية إلى حكم الله وحسابه وجزائه، فنجازيكم بأعمالكم، وفي هذا وعد بالثواب، ووعيد بالعقاب، وهذا إخبار من الله عز وجل عن الرجعة إليه، والقيام من القبور، بعد أن كانوا على أحوال مختلفة في الدنيا، كما قال الله تعالى في تقسيم أمة محمد صلى الله عليه وسلم: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ [فاطر: 35/ 32] . والابتلاء بالخير والشر هنا: كل ما يصح أن يكون فتنة وابتلاء، وذلك خير المال وشره، وخير البدن وشره، وخير الدنيا في الحياة وشرها. وأما الهدى والضلال، فغير داخل في هذا، كما لا تدخل الطاعة والمعصية، والأوامر والنواهي لأن من هدي فليس نفس هداه اختبارا، بل قد تبين خبره.
ثم ذكر الله تعالى استهزاء بعض المشركين بالنبي صلى الله عليه وسلم، كأبي جهل بن هشام وأمثاله، فليس لهم همّ إلا السخرية من النبي، واتخاذه مهزوءا به، وقالوا تعجبا واستنكارا: أهذا الذي يعيب آلهتكم ويسفّه أحلامكم؟! والحال أنهم كافرون بالله الذي خلقهم وأنعم عليهم، وإليه مرجعهم، فهم يعيبون على النبي ذكر آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع، مع أنهم كافرون بالرحمن الذي هو المنعم الخالق، المحيي والمميت.
روي أن أبا سفيان وأبا جهل بن هشام رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فاستهزءا به، فنزلت الآية بسببهما. وظاهر الآية يعم معناها جميع كفار قريش وعظمائهم الذين كانوا ينكرون موقف الرسول من آلهتهم. فرد الله عليهم بأنهم أحق بالملام، وهم المخطئون، حيث كفروا بذكر الله، واستمتعوا بذكر الأصنام، وقوله تعالى: وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ معناه بما يجب أن يذكر به. والمقصود بالرحمن:
هو الله تعالى، ردا عليهم حين قالوا: ما نعرف الرحمن إلا باليمامة.