الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة صاحب الجنتين
في القرآن الكريم أمثلة واقعية حسية ذات تأثير بالغ، وعبرة عظيمة، قصد بإيرادها تصوير المواقف، وتثبيت الإيمان أو غرسه، واستئصال الكفر وآثاره، والرد على الطائفة المتحيرة من كفار مكة الذين أرادوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرد فقراء المؤمنين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي على الدوام، والتنويه بأهل الإيمان المقرين بالربوبية أمثال بلال وعمار وصهيب وأقرانهم. ومن هذه الأمثلة: قصة رجل جاحد كان له جنتان (أي بستانان) فافتتن بجمالهما، وأنكر البعث والآخرة، قال الله تعالى واصفا حال هذا الرجل:
[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 36]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» [الكهف: 18/ 32- 36] .
ظاهر هذا المثل أنه وصف لأمر واقع موجود، روي في ذلك أنه كان هناك أخوان من بني إسرائيل، ورثا أربعة آلاف دينار، فصنع أحدهما بماله ما ذكر وهو بستانان، واشترى عبيدا وتزوج وأثرى، وأنفق الآخر ماله في طاعة الله تعالى حتى افتقر، والتقيا، ففخر الغني ووبّخ المؤمن، فجرت بينهما هذه المحاورة.
والمقصود بالمثل طائفتان، إذ الرجل الكافر صاحب الجنتين هو بإزاء متجبري قريش أو بني تميم، والرجل المؤمن المقر بالربوبية هو بإزاء بلال وعمار وصهيب وأقرانهم.
(1) بستانين. [.....]
(2)
أحطناهما.
(3)
ثمرها المأكول.
(4)
لم تنقص من ثمرها.
(5)
أجرينا وشققنا.
(6)
أموال كثيرة مثمرة.
(7)
أقوى أعوانا.
(8)
تهلك وتفنى.
(9)
مرجعا وعاقبة.
وتصوير المثل كما حكى القرآن: واضرب أيها الرسول مثلا لهؤلاء المشركين بالله الذين طلبوا منك طرد المؤمنين من مجلسك، ذلك المثل هو حال رجلين، جعل الله لأحدهما جنتين، أي بستانين من أعناب، محاطين بنخيل، وفي وسطهما الزروع والأشجار المثمرة.
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها
…
أي أخرجت ثمارها، ولم تنقص منه شيئا في كل عام.
وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً أي وشققنا وسط الجنتين نهرا، تتفرع عنه عدة جداول، لسقي جميع الجوانب.
وكان لصاحب البستانين أنواع أخرى من الثمار والأموال النقدية والعينية التجارية، فقال لصاحبه المؤمن الفقير، وهو يجادله ويخاصمه ويحاوره الحديث، ويفتخر عليه: أنا أكثر منك ثروة، وأعز نفرا، أي أكثر خدما وحشما وولدا، وأقوى عشيرة ورهطا يدافعون عني.
ودخل هذا الثري بستانه المتعدد البقاع والجنبات، فقال اغترارا منه، وظلما وكفرا واستكبارا: ما أظن أن تفنى هذه الجنة (البستان) أبدا، وما أظن أن يوم القيامة آت، وكان في الحالين مخطئا ظالما لنفسه، إذ قرر عدم فناء بستانه، وأنكر وجود القيامة. وأفرد كلمة الجنة من حيث الوجود، إذ لا يدخلهما معا في وقت واحد، وظلمه لنفسه: كفره وعقائده الفاسدة في الشك في البعث.
ثم أقسم هذا المترف على أنه إذا رجع إلى ربه- على سبيل الافتراض- ليجدن في الآخرة عند ربه خيرا وأحسن من حظ الدنيا أو منقلبا، أي مرجعا وعاقبة حسنة، تمنيا على الله، وادعاء لكرامته ومكانته عنده، على الزعم المغلوط: أن من كان حسن الحال في الدنيا، فهو حسن الحال في الآخرة، كأنه من شدة العجب ببستانه وسروره به، أفرط في وصفه، ثم قاس حال الآخرة على الدنيا، وظن أنه في تقلبه بالعيش