الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنكار المشركين القيامة
إن من أهم الأسباب التي كانت وراء تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم من قومه قريش إنكارهم يوم القيامة وعدم فهمهم للحق، فهذا أساس كفرهم، فلو أنهم آمنوا بالبعث يوم القيامة، وقدروا خطورة المساءلة والحساب، لدفعهم الإيمان إلى التصديق برسالة هذا النبي وبما أنزل الله عليه في القرآن، وترتب على هذا التكذيب للرسالة الإلهية وإنكار القيامة استحقاقهم للعذاب الشديد في الآخرة، في نار السعير ذات التغيظ والزفير، قال الله تعالى واصفا هذه الأحداث الغيبية:
[سورة الفرقان (25) : الآيات 11 الى 16]
بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (13) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (14) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (15)
لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (16)
»
«2» «3» «4» [الفرقان: 25/ 11- 16] .
ليس المهم في تكذيب المشركين لرسالتك أيها النبي مشيك في الأسواق، بل إنهم كفرة رافضون الحق، منكرون يوم القيامة، فذلك هو الذي يحملهم على أقوالهم الساقطة، لأن من لا يؤمن بالقيامة وبالحساب والجزاء فيها، يتسرع في التورط بتكذيب الوحي الإلهي، من غير تقدير للعواقب، ولقد هيأنا لمن كذب بالقيامة وما فيها من حساب وجزاء نارا شديدة الاستعار أو الالتهاب. وأهوال نار القيامة ذات صفتين غريبتين:
الأولى: إذا كانت النار في مرأى الناظر من بعيد، سمعوا صوت غليانها الدال على
(1) الساعة: القيامة.
(2)
التغيظ: صوت غليان، والزفير: الصوت الشديد.
(3)
مشدودة بالأغلال.
(4)
ثبورا: أي هلاكا.
التغيظ، لشدة التهابها، وصوت الزفير: وهو صوت ممدود كصوت الحمار المرجّع في نهيقه، والتغيظ: احتدامات في النار كنار الدنيا.
الصفة الثانية: إذا ألقي الكفار في النار في مكان ضيق، مقرّنين، أي مربوط بعضهم إلى بعض، صاحوا واستغاثوا قائلين: يا ثبورنا أي يا ويلنا، ويا هلاكنا احضر، فهذا وقتك، والمقصود بالمكان الضيق من النار: التضييق عليهم من المكان في النار، وذلك نوع من التعذيب.
قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن أبي حاتم: «والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار، كما يستكره الوتد في الحائط»
أي يدخلون كرها وعنفا. وقوله تعالى: دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً الثبور: الهلاك أو الويل، وهو مصدر، ومفعول:«دعوا» محذوف، تقديره: دعوا من لا يجيبهم. لذا قال الله تعالى: لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (14) أي يقال لهم على معنى التوبيخ والاعلام بأنهم مخلّدون: لا تقتصروا على حزن واحد، بل أحزنوا كثيرا، لأنكم أهل لذلك. وإنكم إن وقعتم في الهلاك، فليس هو هلاكا واحدا، وإنما أنواع كثيرة من الهلاك، إما لتنوع ألوان العذاب، أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدّلوا غيرها. والمقصود تيئيسهم من الخلاص من العذاب بالهلاك، والتنبيه إلى أن عذابهم أبدي، لا خلاص منه.
وإذا كانت هذه أوصاف العذاب الأخروي للكفار، فقل يا محمد لهؤلاء الكفرة الذين سيتعرضون لهذه الأحوال من النار، على جهة التوبيخ واللوم، والتوقيف والتهكم والتحسر: أهذا العذاب الذي وصفت لكم أفضل وأكرم أم نعيم جنة الخلد الذي يدوم إلى الأبد، وقد وعدها المتقون الأبرار، الذين أطاعوا الله فيما أمر به، وانتهوا عما نهى عنه، وكانت تلك الجنة لهم جزاء طاعتهم في الدنيا، ومصيرهم أو مآلهم الحسن.