الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للعباد، فيكون التذكير بيوم القيامة وما فيه من مشاهد ضرورة دينية تشريعية، ينبغي أن يشتمل القلب عليها، ويستعدّ العبد للقاء ربّه في هذا اليوم الرهيب. وهذا ما تفضّل الله ببيانه في هذه الآيات الشريفة:
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]
وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46)
«1» «2» «3» «4» [إبراهيم: 14/ 42- 46] .
هذه الآيات بجملتها فيها وعيد للظالمين، وإيناس للمظلومين. وتتضمن قرارا حتميّا بأن الله مطّلع على أعمال الظالمين الكافرين، غير غافل عنها، وإنما هو يمهلهم ويؤخرّهم للحساب على أعمالهم في الوقت المناسب، وفي اليوم الحاسم الموصوف بالصفات الآتية:
- أنه يؤخّرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، أي شديد الأهوال، ومن شدّتها تظل فيه الأبصار مفتوحة، لا تطرف ولا تغمض، من شدة الفزع والحيرة والدهشة.
- ويأتي الناس فيه من قبورهم مهطعين، أي مسرعين إلى المحشر بالذّل والهوان، لشدة خجلهم من سوء الاعتقاد والأفعال والأقوال.
- ويكونون فيه أيضا مقنعي رؤوسهم، أي رافعي رؤوسهم، ينظرون في ذلّ وخشوع، ولا يلتفتون إلى شيء، كأن رؤوسهم يابسة محنّطة.
(1) ترتفع دون أن تطرف.
(2)
مسرعين إلى الدّاعي بذلّ.
(3)
رافعيها ناظرين للإمام.
(4)
خالية من الفهم.
- ولا يرتدّ إليهم طرفهم، أي لا يرجع إليهم تحريك الأجفان، بل تظل أبصارهم شاخصة، مفتوحة، تديم النظر، لا يطرفون ولا يغمضون، لشدة الهول والفزع.
والمراد دوام الشخوص والنظر.
- وتكون أفئدتهم هواء، أي تصير قلوبهم خاوية خالية، لا شيء فيها من القوة، مضطربة، لكثرة الخوف. والمراد أن قلوب الكفار في يوم القيامة تكون خالية من الخواطر والآمال والسرور، لعظم الحيرة والدهشة، لما رأوه من عقاب، وما ينتظرهم من عذاب.
ثم جاء الإنذار الإلهي المقصود به تلافي الأسباب المؤدية للعذاب، ومضمونه:
وخوّف أيها النّبي الناس جميعا من أهوال عذاب القيامة، حين يأتي العذاب، ويقول الذين ظلموا أنفسهم حين معاينة العذاب هلعا واضطرابا: ربّنا ردّنا إلى الدنيا، وأمهلنا إلى وقت قريب آخر، قريب العودة إليك، نتدارك فيه ما فرّطنا في الدنيا، من إجابة دعوتك إلى التوحيد، وإخلاص العبادة لك، واتّباع رسلك فيما أرسلتهم به.
فردّ الله تعالى عليهم موبّخا: أولم تكونوا حلفتم من قبل هذه الحالة، حينما كنتم في الدنيا: أنكم إذا متم لا زوال لكم عما أنتم عليه، وأنه لا بعث ولا معاد ولا جزاء، فكنتم تنكرون القيامة والحساب، وتزعمون أنه لا انتقال لحياة أخرى.
والحال أنكم سكنتم أو أقمتم في مساكن الظالمين أنفسهم المفسدين في الأرض، ورضيتم بأفعالهم وصاحبتم الظالمين الكافرين، وسرتم مسيرتهم، ورأيتم ما فعلنا بهم من الإهلاك والعقاب لتكذيبهم وجحودهم وصدودهم عن دعوة الحق، وعاينتم آثار عذابهم، وضربنا لكم الأمثال والعبر، وهو أن الله قادر على الإعادة، كما قدر على ابتداء الخلق، وهو قادر على العذاب المؤجل، كما قدر على العقاب المعجّل، ولكنكم لم تتعظوا ولم تعتبروا.