الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستعلاء العنصري، وإنما بيان لحسن السيرة والسمعة، والمركز الأدبي للعرب بين الأمم قاطبة لأن القرآن نزل بلغتهم، والرسول محمد من جنسهم وقومهم، فلا يصح منهم ولا يعقل أن يتركوا الإيمان أو يعارضوا رسول الله، أو يخرجوا عن دائرة طاعته وتوجيهاته وشرائعه التي تحقق لهم السعادة الأبدية الشاملة للدنيا والآخرة، فكان لا بد من تدبر آياته، وتفهم أنظمته السديدة.
الإنذار بعذاب الاستئصال
توعد الله تعالى مكذبي الرسل بعذاب الاستئصال على النحو الذي عذّب به الأمم الماضية لحملهم على الإيمان الطوعي أو الاختياري، وترك العصيان والكفر بالله، ومن المبادئ المعروفة: أن ما جرى على المثيل أو النظير يجري على مثيله ونظيره، للاستواء في سبب العقاب، وتعاطي المنكرات ذاتها التي كانت موجبة للعذاب، قال الله سبحانه مبينا هذه السنة الإلهية:
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 11 الى 20]
وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (15)
وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20)
»
«2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» «10» «11»
(1) كثيرا ما أهلكنا.
(2)
أدركوا عذابنا.
(3)
يهربون مسرعين.
(4)
نعّمتم فيه.
(5)
كالنبات المحصود بالمناجل.
(6)
ميتين.
(7)
ما يتلهى به من صاحبة أو ولد.
(8)
نرمي.
(9)
يمحقه.
(10)
ذاهب. [.....]
(11)
الهلاك.
«1» «2» [الأنبياء: 21/ 11- 20] .
المعنى: وكثيرا ما أهلكنا من أهل المدن والقرى الذين ظلموا أنفسهم بالكفر بالله وتكذيب الرسل، وأوجدنا بعد إهلاكهم قوما آخرين. وقوله تعالى: وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ معناه: أهلكنا أهل القرى في اليمن وغيرها، فلما تيقنوا أن العذاب واقع بهم فعلا لا محالة، كما توعدهم نبيهم، إذا هم يفرّون هاربين منهزمين من قريتهم، لما أدركتهم مقدمات العذاب.
ويقال لهم تهكما واستهزاء حينئذ: لا تركضوا هاربين من نزول العذاب، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة التي أبطرتكم، وإلى مساكنكم التي اغتررتم بفخامتها، لتسألوا عما كنتم فيه، فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة، لماذا وقع بكم هذا العذاب؟! وفي الجواب اعتراف بالسبب صراحة، إنهم اعترفوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك.
فما زالوا يرددون اعترافهم بالظلم، حتى جعلهم الله مثل الحصيد خامدين بلا حركة. أي لم ينطقوا بغير التأسف. والحصيد يشبّه بحصيد الزرع بالمنجل، أي ردّهم الهلاك كذلك، وخامدين: أي موتى دون أرواح، مشبهين بالنار إذا طفيت.
وإنزال هذا العقاب بهم حق وعدل، فكل ما يصدر عن الله عدل وحق، فالله ما أوجد السماوات والأرض إلا بالحق، أي بالعدل والقسط، لا للهو والعبث، فإنه سبحانه خلق السماء والأرض، لتكون دليلا على معرفة الخالق لها، ولمنافع أخرى دنيوية، وليجزي الذين أساؤوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
(1) لا يكلّون.
(2)
لا يسكنون عن نشاطهم.
ولو أراد الله أن يتخذ لهوا من زوج وولد ونحوهما، لاتخذه من الملائكة والحور العين، إن قصد اللهو واللعب، ولكنه سبحانه منزه عن صفات المخلوقين.
والله من أجل إعلاء كلمة الحق، أبان الحق، ليدحض به الباطل ويزيله، فإذا هو زائل مبدّد، ذاهب مضمحل، فإذا كان هذا من شأن الله، فكيف لا يبّين الحق، وينذر الناس؟ حتى لا يكون لاهيا لاعبا، ولكم أيها الزاعمون أن لله ولدا الويل، أي الهلاك والدمار، والعذاب الشديد، لوصفكم ربكم بما ليس من صفته، وافترائكم عليه أنه اتخذ صاحبة أو زوجة، وولدا.
وكيف يكون لله شريك خاص؟ وهو مالك جميع من في السموات والأرض، وكيف تتنكرون لطاعته؟ وله جميع المخلوقات ملكا وخلقا وعبيدا؟ كل الخلق ومنهم الملائكة طائعون خاضعون لله، دأبهم الطاعة ليلا ونهارا.
وجميع من عند الله من الملائكة لا يترفعون عن عبادته، ولا يعيون ولا يتعبون ولا يملون. وقوله سبحانه: وَمَنْ عِنْدَهُ العندية ليست مكانية، وإنما هي عندية مكانة وتشريف. وتخصيص الملائكة بالذكر هنا، لإبانة رفعة شأنهم.
إن ملائكة الله الكرام يسبحون الليل والنهار، أي يعبدون الله وينزهونه في الليل والنهار، فهم دائبون في العمل ليلا ونهارا، مطيعون قصدا وعملا، قادرون عليه، لا ينقطعون عن الطاعة، ولا يفترون عنها ساعة، كما جاء في آية أخرى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ [التحريم: 66/ 6] .
وكل هذا الخلق الأعظم وعبادة الملائكة المستمرة لله دليل على استغناء الله تعالى عن طاعة الكفار لأن الله هو المالك لجميع المخلوقات، لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية.