الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الولد على أنفسهما، فكان مقتضى هذا الإحسان والتضحية مقابلة الولد لوالديه بالبر ورد الجميل، والأدب والرعاية ولا سيما في سنّ الكبر والشيخوخة، أو المرض، أو الحاجة، قال الله تعالى قارنا بين الأمر بتوحيده وعبادته، وبر الوالدين:
[سورة الإسراء (17) : الآيات 22 الى 25]
لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22) وَقَضى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25)
«1» «2» «3» «4» «5» [الإسراء: 17/ 22- 25] .
خاطب الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم باعتباره نبي الإنسانية بقوله: لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ..
والمراد: جميع الخلق، فلا تجعل أيها الإنسان المكلف شريكا مع الله تعالى في ألوهيته وعبادته، وأنما أفرد الله بالألوهية والعبادة، فلا إله غيره، ولا رب سواه، ولا معبود بحق إلا هو، فإن جعلت أيها الإنسان مع الله إلها آخر، كنت ملوما على الشرك، مذموما من الله وكل عاقل، مخذولا لا ينصرك ربك الذي خلقك، والذم من الله ومن ذوي العقول في أن يجعل الإنسان عودا أو حجرا أفضل من نفسه، ويخصّه بالتكريم، وينسب إليه الألوهية، ويشركه مع الله الذي خلقه ورزقه وأنعم عليه.
ولذا أمر الله تعالى، أي ألزم أو أوجب عليكم أيها البشر عبادة الله، والاقتصار على عبادته، دون إشراك غيره فيها، وأمركم أيضا ببر الوالدين والإحسان إليهما إحسانا تاما في المعاملة.
(1) غير منصور من الله.
(2)
حكم وألزم.
(3)
كلمة تضجر وكراهية.
(4)
لا تزجرهما عما لا يعجبك.
(5)
للتوابين.
وإذا بلغ الوالدان أو أحدهما سن الكبر، أو صارا في حال ضعف وعجز، فعلى الولد واجبات خمسة، وهي:
أولا- ألا تقول لهما أفّ: وهي كلمة تضجر وتبرم، فلا تسمعهما أدنى مراتب القول السيئ، بتوجيه كلمة إيذاء مكونة من حرفين، تدل على التضجر والمضايقة فتلك الكلمة الصغيرة ذات إساءة بالغة، حتى ولو صدر منهما ما يضايق.
ثانيا- لا تنهرهما بفعل قبيح، والنّهر: الزجر والغلطة، والانتهار: إظهار الغضب في الصوت واللفظ، أما التأفف فهو الكلام الرديء الخفي، ويراد به المنع من إظهار الضجر، وأما الانتهار فيراد به المنع من إظهار المخالفة في القول، بالردّ أو التكذيب.
ثالثا- وقل لهما قولا كريما، والقول الكريم: الجامع للمحاسن، من اللّين وجودة المعنى، والتوقير والتعظيم والحياء، ويلاحظ أن الله تعالى قدم النهي عن المؤذي، ثم أمر بالقول الحسن والكلام الطيب.
رابعا- وتواضع لهما بفعلك، وألن الجانب لهما، وقف معهما موقف الخاشع المتذلل، كحال الطائر إذا ضم إليه فرخه، فيخفض له جناحه، وينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في حال ذلّة، في أقواله وسكناته ونظره، من غير حملة أو نظرة غاضب، رحمة بهما وشفقة عليهما، تنبع تلك الرحمة من النفس، لا من أجل امتثال الأمر، وخوف العار والنقد فقط.
خامسا واطلب لهما الرحمة من الله في حال الكبر بعد الوفاة. وهذا الأدب الخامس دليل على أن بر الوالدين لا يكون بالأقوال فقط، بل بالأفعال أيضا، وهو الدعاء لهما بالرحمة الجامعة لكل الخيرات في الدين والدنيا، وليقل الولد في دعائه:
رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً أي أفض عليهما فيض الرحمات، كالرحمة التي شملتني