الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبحانه وألوهيته وتنزهه عن الصاحبة والولد والشريك، وإذا كان الإله هو الخالق المبدع لجميع الأكوان والمخلوقات، فلا يعقل أن يكون لله ولد، إذ لا حاجة له إليه، إلا أن العقل الوثني وقع في هذا الإثم، فقال بعض مشركي العرب: الملائكة بنات الله، وزعم بعض الناس من الطوائف الدينية أن نبيا أو وليا صالحا هو ابن الله.
قال الله تعالى واصفا هذا الشذوذ المفترى:
[سورة مريم (19) : الآيات 88 الى 95]
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92)
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95)
«1» «2» «3» [مريم: 19/ 88- 95] .
المعنى: وقال بعض أهل الكتاب: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، وقال كفار من العرب: الملائكة بنات الله، هذان الفريقان زعموا أن لله ولدا، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا، ورد الله عليهم: لقد جئتم شيئا إدّا، أي شيئا منكرا عظيم الجرم والإثم.
تقارب السماوات أن تتشقق من هذا القول، وأن تتصدع الأرض وتتناثر أجزاؤها، وتسقط بصوت مرعب شديد، وتتهدم الجبال هدما خطيرا تتضعضع منه، لشدة نكرانه، إعظاما للرب وإجلالا له لأنهن مخلوقات على توحيد الله، وأنه إله واحد لا شريك له، ولا ندّ ولا نظير له، ولا ولد ولا مثيل، ولا صاحبة ولا زوجة له.
ويروي ابن جرير الطبري في تفسيره عن مجاهد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن هذه المقالة
(1) أي داهية ومنكرا عظيما.
(2)
أي يتشققن مرة بعد أخرى، على رتبة غير مقصودة.
(3)
الهدّ: الانهدام والتفرق في سرعة.
أول ما قيلت في العالم شاك الشجر، واستعرت جهنم، وغضبت الملائكة.
وقال محمد بن كعب: لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة، لقوله تعالى: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) .
إن سبب هذه المقالة الخطيرة جدا أنهم نسبوا الولد إلى الله، ولا يصلح له ولا يليق به اتخاذ الولد، لجلال الله وعظمته، فإن هذا نقص، تعالى الله وتنزه عنه، لأن جميع الخلائق عبيد له.
وتأكيدا لإنكار هذه الفرية وإبطالها: كل واحد من الخلق من الملائكة والإنس والجن، لا بد له من أن يأتي إلى الله يوم القيامة عبدا خالص العبودية لله، مقرا بالحقيقة، خاضعا ذليلا، معلنا أنه مملوك لله، فكيف يكون أحد المخلوقات ولدا لله؟! قد علم الله عدد الخلائق، منذ خلقهم إلى يوم القيامة، وعدّ أشخاصهم وأحوالهم كلها، فهم تحت قهره وسلطانه وتدبيره، وكل واحد يأتي لربه في الآخرة بمفرده، لا ناصر له ولا مال معه، ولا مجير له إلا الله وحده لا شريك له، فيحكم في خلقه بما يشاء، وحكمه عادل عدلا مطلقا، لا يشوبه شيء من الظلم، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وقوله سبحانه عَدًّا في قوله وَعَدَّهُمْ عَدًّا توكيد للفعل وتحقيق له. وقوله عز وجل: فَرْداً في قوله: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) يتضمن معنى قلة النصير والحول والقوة، فلا مجير له، مما يريده الله به.
إن هذه الآيات تقرر مبدأ جوهريا في العقيدة: وهو مبدأ توحيد الله، ونفي اتخاذ الله ولدا على جهة التنزيه لله عن ذلك. وتلتقي هذه الآيات في موضوعها مع سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن، وهي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) ومع
حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري حيث قال هذا الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: