الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن تجنّب سوء المصير لكل إنسان أمر يسير، وهو إعلان الإيمان بالله تعالى، فذلك ليس أمرا صعبا ولا محرجا، وأما التسبب في العذاب فهو طيش وحماقة، وما أشد عذاب المتكبرين الرافضين دعوة الإيمان بالله ربّا هاديا، كما جاء في قوله تعالى:
فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (22)[الحج: 22/ 19- 22] .
العبرة من قصص العذاب الشامل
لا بد لكل نظام من مؤيدات مدنية وجزائية، حتى يحترم النظام، وتسود كلمته وتعلو هيبته، لأنه ليس كل الناس يستجيبون لنداء الحق والضمير، والوعي والعقل والتفكير، فيكون الجزاء الرادع مرهبا ومؤدبا العصاة، وحاملا مجموع الناس على الالتزام بقواعد النظام. وهذا هو المنهج المتّبع في كل تشريع إلهي أو وضعي بشري.
لذا اشتمل القرآن الكريم على قصص الأمم السابقة الذين رفضوا دعوة الإيمان بالله تعالى، وآذوا الرسل والأنبياء، واتبعوا الأهواء والشهوات، وكان في إيراد هذه القصص عبرة واضحة وعظة بليغة. قال الله تعالى مصورا هذه الغاية:
[سورة هود (11) : الآيات 100 الى 102]
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)
«1» «2» [هود: 11/ 100- 102] .
(1) لا أثر له كالزرع المحصود.
(2)
التتبيب: أي الخسران والهلاك.
ذكر الله تعالى في سورة هود سبع قصص للأنبياء: وهي قصة نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، وموسى عليهم السلام، ثم عقبها ببيان جلي لما فيها من العظة والعبرة. وهي دليل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لإخباره عن تلك القصص الغائبة أو المجهولة، من غير مطالعة كتاب، ولا مدارسة مع معلم، وهي معجزة عظيمة تثبت النّبوة، كما قال تعالى: ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
…
[يوسف: 12/ 111] .
ومعنى الآيات: ذلك النبأ المذكور عن العقوبات النازلة بالأمم المتقدمة،- والأنباء: الأخبار- مقصوص عليك أيها النّبي، لتخبر به الناس، ويتلوه المؤمنون إلى يوم القيامة، تبليغا عنك. ومن تلك القرى الظالمة المهلكة ماله أثر باق قائم كالزرع القائم على ساقه كقوم صالح، ومنها ما اندرس وباد، حتى لم يبق له أثر كالزرع المحصود، مثل قرى قوم لوط.
هذا وصف لأوضاع تلك القرى، وأعقبه بيان مبدأ العقاب الجوهري: أنه قائم على العدل وعدم الظلم، فذكر الله تعالى أنه ما ظلمناهم بإهلاكهم من غير ذنب، ولكن ظلموا أنفسهم بتكذيبهم الرسل وكفرهم بهم، وشركهم وإفسادهم في الأرض، وادّعائهم أن آلهتهم المزعومة تدفع عنهم المخاوف والمخاطر المستقبلية، ولكنها في الواقع ما نفعتهم شيئا، ولا دفعت عنهم بأس الله، بل ضرّتهم أوثانهم التي كانوا يعبدونها ويدعونها من دون الله، إنها لم تنقذهم من الهلاك. والمراد بقوله تعالى: الَّتِي يَدْعُونَ أي التي كانوا يعبدون من دون الله، حينما جاء أمر ربك بالعذاب، وَما زادُوهُمْ أي ما زادتهم عبادة الأصنام غير الوقوع في العنت والخسران والهلاك لأن سبب هلاكهم ودمارهم إنما كان باتّباعهم تلك الآلهة الباطلة، فخسروا الدنيا والآخرة.