الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تابوا وأقلعوا عن المعاصي، فإن عادوا إلى الإفساد والعصيان في مرة ثالثة، أعاد الله عليهم تسليط الأعداء، وإنزال العقاب بهم، بأشد مما مضى سابقا، مع ادخار العذاب لهم أيضا في الآخرة.
والله تعالى جعل جهنم للكافرين مستقرا وسجنا لا محيد عنه، كما جعلها مهادا ومستقرا لهم، ومحطة تشوى فيها جباههم وجنوبهم وظهورهم، وهذا تصوير لشمول العذاب لهم، كما جاء في آية أخرى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ [الأعراف: 7/ 41] أي أغطية.
وتكون العبرة في سرد وقائع التاريخ الإسرائيلي في القرآن واضحة، وهي أن التنكيل والعذاب شأنهم في الدنيا إذا أدمنوا الفساد والإفساد، والإنقاذ والرحمة كغيرهم يشملهم إذا استقاموا على طاعة الله والتزموا أوامره.
الغاية من إنزال القرآن
لكل شيء حكمة وغاية، وأفعال الله تعالى تهدف إلى تحقيق غاية، وترشد إلى مصلحة، وتدعو إلى ما فيه خير، وتمنع كل ما هو شر، وإنزال القرآن الكريم والدعوات الإلهية والرسالية أو النبوية من أجل تحقيق غايات كبري وأهداف سامية، لمصلحة البشرية جمعاء، وللمسلمين والمسلمات بصفة خاصة، وأهداف القرآن: عامة وخاصة، وعمومها: الهداية للطريق التي هي أقوم، وخاصة: تبشير الطائعين بالجنة، وإنذار العصاة بالنار، قال الله تعالى مبينا هذه الأهداف:
[سورة الإسراء (17) : الآيات 9 الى 11]
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (11)
«1» [الإسراء: 17/ 9- 11] .
هذه الآيات دعوة صريحة قاطعة مقنعة للناس جميعا، للإيمان بالقرآن الكريم الذي أنزله الله على رسوله، لإنقاذهم من الظلمات إلى النور، وإسعادهم في الدنيا والآخرة، وأسباب هذه الدعوة ثلاثة:
أولا- إن القرآن الكريم يرشد ويدعو للحال والطريقة التي هي أقوم وأصلح، وأسدّ وأحكم، وهي الدين القويم، وملة التوحيد الخالص لله:(لا إله إلا الله) والأقوال والأفعال السديدة الرشيدة.
ثانيا- إن القرآن العظيم ذو هدف إصلاحي جذري في الحياة الإنسانية، فهو يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات من فرائض ومندوبات وأعمال خيّرة، يبشرهم بالثواب العظيم أو الأجر الكبير وهو الجنة يوم القيامة، جزاء عملهم. وعمل الصالحات إنما هو لكمال الإيمان، وترجمة المصداقية والانسجام مع العقيدة.
ثالثا- إن القرآن المجيد ينذر الذين لا يصدقون بوجود الله وتوحيده، ولا بوجود البعث والآخرة، والثواب والعقاب، ينذرهم بالعذاب الشديد الموجع أو المؤلم، جزاء ما قدموا من سوء الاعتقاد وفساد الأعمال.
فيكون للقرآن هدف إيجابي وسلبي معا في آن واحد، فهو يبشر المؤمنين العاملين عملا صالحا بالجنة، وينذر الكافرين بالعذاب الأليم، وفي هذا التوجه المزدوج مسرّة لأهل الإيمان، ووعيد للكفار والعصاة.
ولكن الإنسان ظالم لنفسه عادة، ويتعجل النتائج، مما استدعى أن تكون هذه
(1) أعتدنا: معناه أحضرنا وأعددنا.
الآية: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ ذامّة لما يفعله الناس من الدعاء على أموالهم وأولادهم في وقت الغضب والتضجر، فهم يدعون بالشّر في ذلك الوقت، كما يدعون بالخير في وقت التثبت، فلو أجاب الله دعاءهم في وقت الشر لأهلكهم، ولكن الله تعالى يصفح ولا يجيب دعاء الضّجر المستعجل.
إن الله لطيف بعباده، لا يجيب دعاء المتعجل بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة، كما يدعو ربّه بالخير، أي بالعافية والسلامة والرزق، ولو استجيب دعاؤه لهلك، ولكن الله بفضله ورحمته لا يستجيب دعاءه، كما قال الله سبحانه في آية أخرى:
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ [يونس: 10/ 11] .
وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدعو على أنفسكم، ولا على أموالكم، أن توافقوا من الله ساعة إجابة، يستجيب فيها» .
والذي يحمل الإنسان على ذلك مع الأسف: هو قلقه وعجلته، وطمعه وحرصه، كما صوّر القرآن هذا الطبع في قوله تعالى: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا أي يتعجل تحصيل المطلوب، دون تفكير في عواقبه.
وكلمة: (الإنسان) في الآية يراد بها الجنس (وهو أيّ إنسان) بحسب ما في الخلق من ذلك. وما على الإنسان إلا أن يتعقل ويصبر ولا يتعجل، ويفوض الأمر للخالق البارئ المقدر، ويهتدي بهداية القرآن في الإرشاد لما فيه حسن الختام والعاقبة، ولما يتفق مع الواقع، فليست الحياة جنة طافحة بالنعم والخير، وإنما فيها الشر والشدة أحيانا، كما أن فيها الخير واليسر والسعة أحيانا أخرى.