الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبصر السّامع لكل شيء، لاستفادته بما يرى في الأكوان، ويسمع من القرآن، والسمع والبصر، وسيلتا العلم والهدى، وطريقا تكوين العقل والمعرفة، وإقامة الثقافة الصحيحة التي ترقى بالأمة والمجتمع، وبالوطن والدولة.
قصة نوح عليه السلام مع قومه
-
1- دعوته ونقاش قومه
أورد الله تعالى في قرآنه مجموعة من قصص الأنبياء السابقين للعظة والعبرة، وتمثيل الأوضاع لقريش وكفار العرب، والاعلام بأن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرّسل، وإنما هو كغيره دعا إلى عبادة الله وحده، فعارضه قومه، فناقشهم وجادلهم.
وهذا أنموذج من قصة نوح عليه السلام أول رسول إلى الناس بدعوة إلهية. أذكر هنا طائفة من القصة، قال الله تعالى:
[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 31]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَاّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَاّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَاّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَاّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29)
وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)
«1» «2» «3» «4»
(1) أشراف القوم وزعماؤهم. [.....]
(2)
ظاهره دون تعمق.
(3)
أخبروني.
(4)
أي أخفيت عليكم فلم تهدكم.
«1» [هود: 11/ 25- 31] .
كان قوم نوح عليه السلام يعبدون الأوثان ونحوها، فأرسل الله إليهم نوحا يدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده، فقال لهم: إني لكم منذر واضح، أنذركم عذاب الله وبأسه إن أنتم عبدتم غير الله، فآمنوا به وأطيعوا أمره، ولا تعبدوا غيره، ولا تشركوا به شيئا، إني أخشى عليكم الوقوع في عذاب يوم شديد الألم، هو يوم القيامة.
فأوردوا عليه أربع شبهات:
الشبهة الأولى- بشرية الرسل: قال أشراف القوم وزعماؤهم: ما أنت يا نوح إلا بشر مثلنا، ولست بملك، فلا مزية لك علينا حتى نطيعك في أمرك.
الشبهة الثانية- أتباعك أراذل القوم. لم يتبعك إلا الأخسّاء أصحاب الحرف الخسيسة كالزّرّاع والصّنّاع، وهم الفقراء والضعفاء، في بادي الأمر وظاهره دون تأمل ولا تفكر ولا تدبّر في عواقب الأمور، ولو كنت صادقا لاتّبعك الأشراف والكبراء.
الشبهة الثالثة- لا فضل لك علينا: ما رأينا لكم علينا امتيازا في فضيلة أو قوة أو نروة أو علم أو عقل أو جاه أو رأي، يحملنا على اتّباعك.
الشبهة الرابعة نتهمك بالكذب: يترجح لدينا كذبكم في ادّعائكم الصلاح والسعادة في الآخرة. ويلاحظ أنهم خاطبوه بصيغة الجمع لإشراك أتباعه معه في التّهم.
أجابهم الله عن شبهاتهم فيما حكاه عن نوح عليه السلام قائلا: أخبروني يا قوم
(1) تستحقرهم وتستهين بهم.
عماذا أفعل إن كنت على يقين وحجة ظاهرة فيما جئتكم به من ربّي، وآتاني رحمة من عنده وهي النّبوة والوحي، فخفيت عليكم، فلم تهتدوا بها، ولا عرفتم قدرها، أنكرهكم على قبولها، وأنتم لها كارهون، معرضون عنها؟! ويا قوم، لا أطلب منكم مالا على نصحي لكم، أي أجرا آخذه منكم، وإنما أجري على الله عز وجل. وليس من شأني طرد المؤمنين برسالتي، وتنحيتهم من مجلسي. وهذا إعلان المساواة في الكرامة بين الناس من غير امتياز للأغنياء. إن هؤلاء الأتباع سيلقون ربّهم، ويحاسبهم على أعمالهم، كما يحاسبكم، ويعاقب من طردهم، وأراكم قوما جهلة في مطالبتكم بطردهم من مجلسي، فإن المفاضلة بين الناس إنما هي بالعمل الطيب الصالح، لا بالثروة والجاه كما تزعمون.
ويا قوم من ينصرني من عذاب الله إن طردتهم، فذلك ظلم عظيم، أفلا تتعظون وتتفكرون فيما تقولون؟! وتوابع النّبوة وتملك الثروة غير متوافرين لدي، فلا أقول لكم بموجب النّبوة: إني أملك خزائن رزق الله، وأتصرّف فيها، ولا أعلم من الغيب إلا ما أطلعني الله عليه، ولست أحد الملائكة، ولا أستطيع القول لهؤلاء الذين تحتقرونهم: لن ينالهم خير، وليس لهم ثواب على أعمالهم، الله أعلم بما في صدورهم وبواطنهم من القصد الحسن والنّية الطيبة، فإن تطابق باطنهم مع ظاهرهم، كان لهم الحسنى، وإن حكمت على سرائرهم بغير دليل ظاهر، كنت ظالما قائلا ما لا أعلم به. والخلاصة:
إن نوحا قصر مهمته على تبليغ الوحي بالنّبوة، وأخبرهم عن تواضعه أمام الله عز وجل.