الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القادر على عقابهم وإيقاع العذاب الشديد بهم. وفي هذا تقوية لعزيمة الرّسول صلى الله عليه وسلم، لكي يظلّ قائما بدعوته، ماضيا في تبليغ رسالته، غير آبه بما يلقى من المصاعب، ولا خائف من أحد. وهذه المعاني تتمثل في الآيات التالية:
[سورة يونس (10) : الآيات 65 الى 67]
وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَاّ يَخْرُصُونَ (66) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)
»
«2» [يونس: 10/ 65- 67] .
لم يترك المشركون في مكة وسيلة لإيذاء النّبي صلى الله عليه وسلم إلا ارتكبوها، فحينما بدّد القرآن شبهاتهم الفكرية وردّ عليها، لجؤوا إلى طريق آخر، وهو التّهديد والتّخويف بأنهم أصحاب السلطة والمال، والقوة والنفوذ، فلا مجال للضعفاء والفقراء بينهم، ولا سبيل لمحاولة بسط النفوذ عليهم من خلال أي شيء في دنيا العرب، لا بدعوة إلى الدين الجديد، ولا بغير ذلك من وسائل الهيمنة كما يتصورون.
فجاءت آيات الوحي القرآني تواسي محمدا صلى الله عليه وسلم، وتشدّ عزيمته، ومعناها: لا يهمّك ولا يحزنك أيها الرسول قول المشركين أبدا: لست مرسلا، وغير ذلك من المعارضة والإصرار على الشّرك والتّكذيب لرسالتك، والتهديد بأنهم أصحاب القوة والمال، واستعن بالله عليهم، وتوكّل عليه، فإن العزّة، أي الغلبة والقوة والقهر لله تعالى جميعا، جميعها له، فهو مصدرها ومانحها لمن يشاء من عباده، كما جاء في آية أخرى:
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 63/ 8] .
والله سبحانه هو السميع لجميع ما يقولون، والعليم بما في نفوسهم من ذلك، وفي ضمن هذه الصفات تهديد.
(1) إن القهر والغلبة لله تعالى.
(2)
أي يحسدون ويخمنون ويكذبون فيما ينسبونه إلى الله تعالى.
ودليل تفرد الله بالعزة أنه مالك السماوات والأرض وما بينهما ومن فيهما، لا ملك لأحد فيهما سواه، فكان هو صاحب السلطان المطلق والتّصرف الشامل، ولا يتّبع الذين أشركوا الشّركاء لله فيما زعموا إلا بمحض الظّن الفاسد، أي الوهم الخطأ، من غير أي دليل، ولا حقيقة واقعية، فليس لله شريك أبدا، ولا تصلح الأصنام وغيرها آلهة لأنها مملوكة لله، ولا قدرة لها على شيء من أمور العباد، سواء النفع أو الضّر، بل لا تستطيع دفع الضرّ عن نفسها، ولا جلب الخير أو النفع لذاتها.
ما يتّبع هؤلاء المشركون فيما زعموا إلا الأوهام والتّخرصات أي التّخمينات وألوان الكذب فيما ينسبون إلى الله. وإذا لم تكن معبودات الوثنيين آلهة، فلا تصلح وسطاء أو شفعاء لعابديها عند الله لأن جميع من في السماوات والأرض مملوك لله تعالى، والمملوك لا شأن له أمام المالك، قال الله تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)[مريم: 19/ 93- 94] .
ودليل آخر على تفرّد الله بالعزّة التّامة، وانعدام أي دور للشّركاء أنّه تعالى خالق الليل والنّهار، وجاعل الليل للاستراحة والسّكن والاطمئنان فيه بعد عناء النهار والاشتغال فيه، وجاعل النّهار مضيئا للمعاش والعمل والسّفر وقضاء الحوائج والمصالح، إن في ذلك (وهو كون الليل مظلما يسكن فيه، والنّهار مبصرا يتصرّف فيه) لدلالات وعلامات على قدرة الله وعزّته وكونه الإله المعبود بحق، لقوم يسمعون هذه الأدلة، ويعون ما فيها ويتدبّرون ما يسمعون، ويستدلّون على عظمة خالقها ومقدّرها ومسيّرها.
والحاصل: ان للعقل البشري في القرن العشرين بعد نضجه واكتماله أن يدرك إدراكا صحيحا أن الله وحده هو الإله المعبود، وكل من سواه من المخلوقات ليس لها