الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي قال: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)[الشعراء: 26/ 84] . وإنما قال:
(عليا) لأن جميع الملل والأديان والأمم والشعوب يثنون عليهم، ويمدحونهم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وبما أن العرب من سلالة إبراهيم عليه السلام، وتدعي أنها على دين إبراهيم، ذكر الله تعالى لهم قصته، ليعتبروا ويتعظوا.
والتاريخ حافل بآثار إبراهيم وآل إبراهيم في الدعوة إلى توحيد الله وعبادته وتعظيمه، وفي حمل الناس على مكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال. وعلى الرغم من مجابهة الأقوام لإبراهيم، فإن الله تعالى نفعه وعوّضه أولادا أنبياء، وذلك من أعظم النعم في الدنيا والآخرة.
خصائص موسى وإسماعيل عليهما السلام
الأنبياء والرسل الكرام: هم الصفوة العليا المختارة من البشر، ليكونوا قدوة حسنة طيبة للناس في العقيدة والعبادة والأخلاق والسلوك والسمعة، وهذه القدوة لها تأثيرها البالغ في ترغيب الناس بدعوتهم، والانضمام تحت رايتهم، وقد ذكر الله تعالى صفات بعض الأنبياء في سورة مريم بنحو موجز، وهم موسى وهارون وإسماعيل وإدريس عليهم السلام، ثم أبان ما تميزوا به من نعمة الله عليهم، وهذه آيات كريمة توضح لنا الصفة البارزة لموسى وهارون وإسماعيل عليهم السلام، فقال الله تعالى:
[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 55]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (51) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (54) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)
«1»
(1) مصطفى مختارا.
«1» [مريم: 19/ 51- 55] .
هذه نبذة طريفة عن خواص بعض الأنبياء، لتكون أنموذجا رائدا للقدوة الطيبة للعرب الجاهليين، بعد الحديث عن إبراهيم الخليل أبي الأنبياء وعن ذريته، ليحملهم هذا الوصف على اتباع خط النبوة ومنهج الأنبياء كلهم في توحيد الله، وترك عبادة الأصنام.
بدأ الحق تعالى هذه الآيات بذكر موسى بن عمران أحد الأنبياء أولي العزم، صلوات الله عليه، على جهة التشريف، وفي الآية أمر من الله تعالى بالحديث عن موسى، يتضمن: واذكر يا محمد الرسول في الكتاب المنزل عليك، واتل على قومك ما تميّز به موسى بن عمران من صفات خمس وهي:
- إنه كان مخلصا، أي مختارا مصطفى، ومطهرا من الآثام والذنوب، كما قال الله تعالى في شأنه: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف: 7/ 144] .
- وكان نبيا رسولا، اجتمع له الوصفان من الرسل أولي العزم، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلّى الله عليهم وآلهم وسلّم، والرسول: كل من أوحى الله إليه بشرع وأمر بتبليغه، والنبي: كل من أوحي إليه بشرع يخبر به عن الله قومه، وليس معه كتاب كيوشع عليه السلام.
- وكلمناه تكليما من جانب جبل الطور في سيناء عن يمين موسى وهو الأصح أو عن يمين الجبل نفسه، أثناء مجيئه من مدين متجها إلى مصر، فهو كليم الله بعدئذ، وصار رسولا نبيا، وأنزلنا عليه كتاب التوراة.
(1) مناجيا لنا.
- وقربناه نجيا: هو التقريب بالتشريف بالكلام والنبوة، أي أدنيناه إدناء تشريف وتقريب منزلة حتى ناجيناه أو كلمناه، فقوله تعالى نَجِيًّا من المناجاة في المخاطبة، جعلته في العالم الروحي قريب المنزلة من الله تعالى.
- ومنحناه من فضلنا ونعمتنا، فجعلنا أخاه هارون نبيا لكونه أفصح لسانا وألين عريكة، حين سأل موسى ربه أن يجعله نبيا قائلا: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)[طه: 20/ 29- 32] . وفي آية أخرى طالب به حين إرساله لفرعون: وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)[القصص: 28/ 34] .
قال بعض السلف: ما شفع أحد في أحد شفاعة في الدنيا أعظم من شفاعة موسى في هارون أن يكون نبيا، قال الله تعالى: وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) .
قال ابن عباس: كان هارون أكبر من موسى بأربع سنين.
ثم أمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يذكر في القرآن للعرب خبر وصفات إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام، الذي هو والد عرب الحجاز كلهم، وأب العرب اليوم، وهم اليمنية والمضرية، وصفاته أربع جعلته أيضا من بركة لسان الصدق والشرف المضمون بقاؤه على آل إبراهيم عليه السلام، وهو الذبيح في قول الجمهور:
إنه كان صادق الوعد، مشهورا بالوفاء بالعهد والوعد، فما وعد وعدا مع الله أو مع الناس إلا وفّى به، فكان لا يخالف شيئا مما يؤثر به من طاعة ربه. وصف بصدق الوعد لأنه كان مبالغا في ذلك.
روي أنه وعد رجلا في موضع، فجاء إسماعيل عليه السلام، وانتظر الرجل يومه وليلته، ثم جاء الرجل في اليوم الآخر، فقال له: ما زلت في انتظارك هنا منذ أمس.
- وكان رسولا نبيا جامعا بين هذين الوصفين كأبيه إبراهيم، وكموسى عليهم