الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسل بشر لا ملائكة
إن أبسط مبادئ الرسالة أو السفارة أن يكون الرسول أو السفير من جنس المرسل إليهم، لتحقيق أهداف الرسالة من أيسر الطرق، وتمكين الرسول والمرسل إليه من النقاش والحوار المؤدي للغاية، لذا كان الأنبياء والرسل من جنس البشر المرسل إليهم، بل من أقوامهم وإخوانهم، أو من بني جلدتهم وعشيرتهم، حتى يكون اللقاء أو الخطاب مثمرا، ولكن المشركين من عهد نوح عليه السلام إلى عهد خاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم اشتبه عليهم أمر الرسالة، وظنوا أن الرسول ينبغي أن يكون من جنس أسمى أو أعلى من المرسل إليه، فأنكروا بشرية الرسل، وطالبوا بأن يكون النبي المرسل أحد الملائكة، أخبر القرآن الكريم عن هذه التطلعات في قول الله تعالى:
[سورة الفرقان (25) : الآيات 20 الى 21]
وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20) وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21)
«1» «2» [الفرقان: 25/ 20- 21] .
قال ابن عباس رضي الله عنهما فيما أخرجه الواحدي وابن جرير الطبري، لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة، وقالوا:«ما لهذا الرسول يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق» حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ
ومفعول «أرسلنا» محذوف، يدل عليه الكلام، تقديره: رجالا أو رسلا، وعلى هذا المفعول المحذوف المقدّر، يعود الضمير في قوله: إِلَّا إِنَّهُمْ.
والمعنى: إن جميع الرسل المرسلين من عند الله كانوا بشرا يأكلون الطعام، للتغذي
(1) اختبارا ومحنة.
(2)
تجاوزوا الحد في الطغيان.
به، ويمشون في الأسواق للتكسب والاتجار، ولا يغض ذلك من شأنهم ولا يمسّ أقدارهم، ولا يتنافى مع أحوالهم ومناصبهم، ولقد اختبرنا بعضكم ببعض، وبلونا بعضكم ببعض، لنعلم الطائع من العاصي، أي إن الله سبحانه أراد أن يجعل بعض العبيد فتنة لبعض في الجملة في جميع الناس، مؤمن وكافر، فالصحيح فتنة للمريض، والغني فتنة للفقير، والفقير الشاكر فتنة للغني، والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس الكفار في عصره، وكذلك العلماء وحكام العدل، إن هذا التقابل مدعاة للعبرة، لأن الأشياء تتميز بأضدادها، لذا قال الله تعالى: أَتَصْبِرُونَ أي هل تصبرون أيها المؤمنون أو لا؟ اصبروا على ما أراده الله لكم، وكان ربك أيها الرسول بصيرا بمن يصبر وبمن يجزع، وبمن يستقيم وبمن ينحرف ويضل.
قال مقاتل: إن الآية نزلت في أبي جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، والعاص ابن وائل وغيرهم من أشراف قريش حين رأوا أبا ذر، وعبد الله بن مسعود، وعمارا، وبلالا، وصهيبا، وسالما مولى أبي حذيفة، قالوا: أنسلم فنكون مثل هؤلاء؟! فأنزل الله تعالى يخاطب هؤلاء المؤمنين: أَتَصْبِرُونَ؟ أي على ما ترون من هذه الحال الشديدة والفقر، والجهد والإيذاء، كأنه تعالى جعل إمهال الكفار والتوسعة عليهم فتنة للمؤمنين.
ورتب المشركون على إنكار بشرية الرسل بديلا فقالوا: هلا أنزل علينا الملائكة، كما تنزل على الأنبياء، فنراهم عيانا، فيخبرونا بأن محمدا صادق في ادعائه النبوة، أو نرى ربنا جهارا علنا، فيخبرنا بأنه أرسله إلينا، ويأمرنا بتصديقه واتباعه. ولما تمنت كفار قريش رؤية ربهم، أخبر الله تعالى أنهم عظموا أنفسهم، وسألوا ما ليسوا له بأهل.
والله لقد تكبروا واستكبروا عن الحق، وتجاوزوا الحد في الظلم والكفر تجاوزا