الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفة الدنيا الفانية
جرت العادة أن تكون الاستعدادات للأحوال المؤقتة بسيطة وقليلة، وأن تكون الاستعدادات للأوضاع الدائمة والخطيرة كثيرة ومتنوعة، وهكذا ينبغي النظر باستمرار لحال الدنيا والآخرة لأن الدنيا فانية منتهية، والآخرة باقية خالدة، فما على المؤمن إلا أن يتخذ الدنيا جسرا للآخرة، وأن يتزود بالأعمال الصالحة، ويقدم المزيد من الخير لمستقبله، حتى يحقق لنفسه السعادة والنجاة، لذا زهّد القرآن الكريم بالدنيا، ورغّب في نعيم الآخرة الخالد، فقال الله تعالى:
[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (45) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (46)
«1» «2» [الكهف: 18- 45- 46] .
اذكر أيها النبي مثلا لأهل مكة وأمثالهم الذين افتخروا بأموالهم وأتباعهم على فقراء المسلمين، يبين ذلك المثل أو الصفة زوال الدنيا وما فيها، والمراد حياة الإنسان بما يتعلق من نعم وثروة، فإن الدنيا بعد الخضرة والبهجة تصبح عابسة لا جمال فيها ولا زهو، إنها في تحولها وتبدلها تشبه حال نبات سقي بماء السماء، واختلط النبات بعضه ببعض، بسبب الماء، وصار أخضر جميلا، ثم تحول بعد الخضرة فأصبح هشيما، أي يابسا، تذروه الرياح، أي تفرقه وتنثره ذات اليمين وذات الشمال.
والله قادر على كل شيء من الإنشاء والإحياء، ثم الدمار والإفناء، واليبس والهلاك، فلا ينبغي لعاقل أن يغتر بإقبال الدنيا أو يتفاخر بها، وعليه أن ينظر إلى مآلها ونهايتها الحتمية.
(1) يابسا متفتتا.
(2)
تنسفه.
ومعنى هذا المثل تشبيه حال المرء في حياته وماله وعزته، وزهوه وبطره بالنبات الذي له خضرة ونضرة، بسبب المطر النازل، ثم يعود بعد ذلك هشيما متبددا، ويصير إلى عدم. فمن كان له عمل صالح يبقى في الآخرة، فهو الفائز، فكأن الحياة بمثابة الماء، والخضرة والنضارة بمنزلة النعيم والعزة ونحوه. ويدل هذا المثل على سرعة زوال الدنيا وفنائها.
ثم أخبر الله عن حقيقة المال والأولاد، فذكر أن الأموال والبنين والبنات هي من زينة الحياة الدنيا، وليست من زينة الآخرة الدائمة، فهي سريعة الفناء والانقراض، فلا ينبغي لعاقل أو متأمل الاغترار بها والتفاخر بمظاهرها، ولا يصح للناس أن يتبعوا أنفسهم زينة الدنيا وجمالها، وعليهم أن ينتفعوا بها مجرد انتفاع، دون تعلق نفس وإيثار، أو تعظيم وتفضيل، لأن كل ذلك إلى فناء.
والباقيات الصالحات خير، أي إن أعمال الخير وأفعال الطاعة، كالصلاة والصيام والصدقة والجهاد في سبيل الله، ومساعدة المحتاجين، وذكر الله: أفضل ثوابا، وأعظم قربة عند الله، وأبقى أثرا، لأن ثوابها عائد على صاحبها، وهي خير أملا، حيث ينال صاحبها في الآخرة كل ما كان يؤمله في الدنيا.
فسر ابن عباس وغيره الباقيات الصالحات بأنها الصلوات الخمس، وفسرها جمهور المفسرين بأنها الكلمات المأثور فضلها وهي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقال ذلك أيضا ابن عباس. ورجح الطبري والقرطبي ما قاله ابن عباس في رواية ثالثة: الباقيات الصالحات: كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة.
وقول الله سبحانه: خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا معناه: صاحبها ينتظر الثواب، وينبسط أمله على خير من حال ذي المال والبنين، ودون أن يعمل عملا صالحا.