الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حد القذف، وأن الذين أشاعوا الخبر لامهم الله تعالى لوما شديدا، ووبخهم توبيخا مهينا، وهدّدهم بالعذاب، وعلّمهم الوحي الإلهي وجوب الالتزام بآداب معينة، أذكر منها هنا ستة، كلها ذات وقع شديد، وتتضمن التهديد والوعيد، قال الله تعالى مبينا هذه التأثيرات لقصة الإفك:
[سورة النور (24) : الآيات 14 الى 20]
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (20)
«1» »
[النور: 24/ 14- 20] .
المعنى: لولا تفضل الله عليكم في الدنيا بأنواع النعم التي منها الإمهال للتوبة، ولولا رحمته بكم في الآخرة بالعفو والمغفرة، لعجّلت بكم العقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك، وهذا من الزواجر أيضا.
- ولولا فضل الله عليكم لمسكم العذاب حين تلقيتم أو تلقفتم بألسنتكم حديث الإفك وسؤال بعضكم عنه، وإكثار الكلام فيه، وقولكم ما لا تعلمون، وظنكم ذلك أنه أمر سهل يسير، وهو في حكم الله عظيم الخطر، ومن الكبائر. وهذا من الزواجر كذلك وعتاب على تناقل الأخبار، والإفاضة في الحديث، وإشاعة الكلام.
- وهلا حين سمعتم ما لا يليق من فحش الكلام وخبث المقال قلتم: ما ينبغي وما لا يصح لنا ولا يحل أن نتفوه بهذا الكلام، ونخوض في عرض النبي صلى الله عليه وسلم، فالعقل
(1) تظنونه سهلا.
(2)
كذب محيّر.
والدين يمنعان الخوض في مثل هذا، وهذا تأديب جم، وعتاب لجميع المؤمنين بأنه كان ينبغي عليهم إنكار هذا المقال وترك حكايته ونقله، وأن يحكموا عليه بالبهتان:
وهو أن يقول الإنسان في غيره ما ليس فيه. ويحذر الله المؤمنين من العود لمثله، أي ينهاكم الله متوعدا أن يقع منكم ما يشبه هذا في المستقبل، ما دمتم أحياء مكلفين، وكنتم من أهل الإيمان بالله وشرعه، وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم، ويوضح الله لكم الأحكام الشرعية والآداب الدينية والاجتماعية، والله تام العلم بما يصلح عباده، وكامل الحكمة في شرعه وقدره وتدبير شؤون خلقه، وهذا من الزواجر العظام.
- وإن الذين يشيعون الفاحشة عن قصد وإرادة في أوساط المؤمنين لهم عذاب مؤلم في الدنيا، وهو حد القذف، وفي الآخرة لهم عذاب النار، والله يعلم بحقائق الأمور علما تاما، فردوا الأمر إليه ترشدوا، وأنتم بسبب نقص علمكم لا تعلمون تلك الحقائق.
- ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم، لكان أمر آخر، أي لهلكتم أو لعذبكم الله واستأصلكم، ولكنه تعالى رؤف بعباده، رحيم بهم، فتاب على التائبين من هذه القضية، وأرشد إلى ما فيه الخير، وهدى إلى الطريق القويم، وأبان خطر هذا الفعل الشنيع، وهو الطعن بعرض بيت النبوة.
لقد تضمنت هذه الآيات في بدايتها وخاتمتها بيان سبق الرحمة الإلهية، وإسباغ الفضل الإلهي على الفئة التي تورطت في ترداد الأخبار الملفقة، وتناقل الحديث من لسان إلى لسان، وما بين البداية والنهاية لوم وتقريع، وعتاب وتوبيخ، وأن مجرد التحدث في عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إيذاء كبير للنبي وزوجه ولآل أبي بكر. فيكون الخوض في مثل هذا ممنوعا، ويحتاج مثله إلى التثبت والروية، وتبيّن الحقيقة، كما قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أو «فتثبتوا» [الحجرات: 49/ 6] .