الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإعراضهم، وأمهلهم ليصلحوا شأنهم أو يترقبوا إنزال العقاب بهم، فلم يبدّلوا حالهم، فكانت النتيجة عقابهم بالصيحة التي دمّرتهم، وإنجاء المؤمنين. وهذا ما سجّله القرآن الكريم في الآيات التالية:
[سورة هود (11) : الآيات 89 الى 95]
وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (91) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» «10» [هود: 11/ 89- 95] .
اشتدّ حال المعارضين المعاندين لدعوة شعيب، فأنذرهم بالتعرّض للعقاب قائلا:
يا قوم، لا يحملنكم خلافي معكم، ولا تحملنكم عداوتي وبغضي على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر والفساد، فيصيبكم مثل ما أصاب غيركم وأمثالكم من العذاب والنقمة، كإغراق قوم نوح، وإهلاك قوم هود بالرّيح الصّرصر العاتية، وقوم صالح بالرّجفة أو الزّلزلة، وقوم لوط بالصيحة المدمرة، وهذا ليس ببعيد عنكم زمانا ولا مكانا.
(1) لا يحملنكم عداوتي وبغضي.
(2)
جماعتك وعشيرتك.
(3)
منبوذا خلفكم.
(4)
غاية تمكنكم من أمركم.
(5)
انتظروا العاقبة.
(6)
صوت مهلك.
(7)
ميتين لا يتحركون.
(8)
لم يقيموا فيها بنعمة ورفاه عيش.
(9)
هلاكا.
(10)
هلكت من قبل. [.....]
واطلبوا المغفرة من ربّكم على سالف الذنوب من عبادة الأوثان وبخس المكيال والميزان، ثم توبوا إليه فيما تستقبلونه من الأعمال السيئة، وارجعوا إلى طاعته، فإن ربي رحيم بمن تاب إليه وأناب، كثير الود والحب، يحب التائب ويرحم المذنب.
وهذا يدل على أن الاستغفار والتوبة يسقطان الذنوب.
لم ينفعهم هذا الأسلوب أيضا، فلجئوا إلى الإهانة والتهديد، قائلين: يا شعيب، ما نفهم كثيرا من قولك، مع أنه خطيب الأنبياء، وأنت واحد ضعيف، ولولا رهطك أو عشيرتك وقرابتك لرجمناك بالحجارة، وليس لك معزّة ولا تكريم.
والرّهط: الجماعة من الثلاثة إلى العشرة.
فأجابهم شعيب عليه السلام بحلم وأناة قائلا: يا قومي أرهطي أعزّ وأكرم عليكم من الله القوي القادر القاهر، واتّخذتموه وراءكم ظهريّا، أي تركتموه خلفكم، لا تطيعونه ولا تعظمونه، ولا تخافون بأسه وعقابه، إن ربي محيط علمه بعملكم، عالم بأحوالكم، فلا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيكم على أفعالكم.
ولما يئس شعيب عليه السلام من إجابتهم دعوته، حسم الموقف قائلا: يا قوم، اعملوا على طريقتكم، واعملوا كل ما في وسعكم وطاقتكم من إلحاق الشّرّ بي، فإني عامل أيضا على طريقتي بما آتاني الله من القدرة، أي فأنتم ثابتون على الكفر والضّلال، وأنا ثابت على الدعوة إلى عبادة الله والثقة بقدرته. ولسوف تعلمون من ينزل به عذاب يخزيه ويذله في الدنيا والآخرة، ومن هو كاذب في قوله مني ومنكم، وانتظروا ما أقول لكم من إيقاع العذاب، إني معكم رقيب منتظر. وهذا وعيد وتهديد لمن يفهم ويدرك المقال.
وبعد نفاد كل محاولات الإصلاح لأهل مدين، نزل بهم العقاب على كفرهم وفسادهم، فلما جاء أمر الله بعذابهم، ونفذ قضاؤه فيهم، نجى الله تعالى رسوله