الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصواب، واتّبعوا الهوى، وانقادوا لمؤثرات البيئة وتقليد الآباء والأجداد، كانوا هم المسيئين لأنفسهم، المؤثرين الكفر على الإيمان، والضّلالة على الهدى والرّشاد، وكانوا بهذا الاختيار وإهمال العقل غير معذورين في كفرهم.
النّظر والتّفكّر
الطريق إلى تصحيح العقيدة بالله وجودا وتوحيدا أمر مبسط يسير، وهو لا يعدو أن يكون تأمّلا حرّا من غير تأثر ببيئة ووراثة وتقاليد، وتقديرا من النهج القرآني للعقل الإنساني والإرادة البشرية وجّه الإسلام نحو إعمال العقل والفكر في مكنونات الكون وأسراره، وأوجب الدين النظر والتفكر وجعله فريضة إسلامية شاملة، من أجل التوصل إلى الحق، والتخلّص من العقائد الفاسدة والموروثات الضّالّة. وهذا هو صريح الآيات القرآنية:
[سورة يونس (10) : الآيات 101 الى 103]
قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَاّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)
[يونس: 10/ 101- 103] .
قوله تعالى: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أمر صريح للناس، والأمر للوجوب، بإيجاب الاعتبار والنظر في المصنوعات الدّالة على الصانع، وغير ذلك من آيات السماوات وأفلاكها وكواكبها وسحابها، وعجائب المخلوقات فيها وفي الأرض ونباتها ومعادنها وغير ذلك. والمعنى: انظروا في ذلك نظرا صحيحا ينبّهكم إلى المعرفة بالله والإيمان بوحدانيته.
إن النظر في الأكوان وما فيها من أسرار يرشد الإنسان الضّال أو الكافر إلى وجود
الخالق وتوحيده، ويدعو إلى التصديق بالرّسل، والإيمان بالقرآن والوحي المخبر عن هذه الآيات العظام.
ولكن ما تغني أو تفيد هذه الآيات أو الدلائل الكونية والقرآنية، والأنبياء المنذرون، أو الإنذارات الإلهية، قوما لا يتوقع إيمانهم بالله والرّسل، وقضى الله أنهم لا يؤمنون بحسب علمه المحيط بإرادة الإنسان واختياره، وكل شيء لا يقع إلا بمشيئة الله، لأن ما في الوجود في ملك الله، ولا يحدث أمر في ملكوت الله إلا بإرادته، حتى لا يكون هناك قهرا أو تجاوز لإرادة المالك.
وإذا أهمل الكفار والمشركون المكذبون المعاندون النظر في آيات الله وأسراره، حتى ولو كانوا بسطاء أو أميّين، فهل ينتظرون أو يتوقعون إلا نزول العذاب المماثل لوقائع الأمم الماضية المكذبة لرسلهم، وهي وقائع العذاب في قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ أي وقائع الماضين، والأيام هنا بمعنى الوقائع، كما في آية أخرى: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إبراهيم: 14/ 5] ، وكل ما مضى لك من خير أو شرّ فهو أيام.
قل أيها الرسول للمشركين منذرا ومهددا: انتظروا عذاب الله وعقابه، إني من المنتظرين هلاككم، أو فانتظروا هلاكي، إني معكم من المنتظرين الهلاك، أو موعد ربّي به. والآية وعيد محض لمن كفر، فإذا أصرّوا على الكفر، حلّ بهم العذاب، وإذا آمنوا نجوا، هذه سنّة الله في الأمم الخالية، فهل عند مشركي مكة وأمثالهم غير ذلك؟.
وإذا وقع العذاب بقوم في الدنيا، فإن من سنّة الله المقررة إنجاء الرّسل ومتّبعيهم المؤمنين، كما في آية أخرى: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا [مريم: 19/ 72] ، ومثل هذا الإنجاء للرّسل السابقين ومن آمن معهم، ننجي المؤمنين معك أيها الرّسول، ونهلك المكذبين بالرّسل. وهذا حق أوجبه الله تعالى على نفسه الكريمة، كما جاء في آية أخرى: