الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما أوضح وأحكم قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أي إن الإرسال للبيان، لا للإضلال أو الإيقاع في المتاهات.
مهمة موسى عليه السلام
الأنبياء والرّسل عليهم السلام هم الصفوة المختارة، والفئة العليا من البشر، وهم أشدّ الناس إخلاصا لربّهم، وحبّا لأقوامهم، فيحرصون أشد الحرص على هدايتهم، وإنقاذهم وتصحيح عقائدهم وأخلاقهم، وتقويم طبائعهم وتهذيب نفوسهم، فاستحقّوا من الله الرّضوان، وبوّأهم أعلى منازل الجنان. وكان موسى عليه السلام أحد الخمسة أولي العزم، الذي دأب على إرشاد قومه إلى طريق الحق والاستقامة على طاعة الله، وذكّرهم بنعم الله الكثيرة عليهم ليتّعظوا، وحذّرهم من عاقبة المخالفة والعصيان، وأعلمهم أن منفعة الطاعة تعود عليهم، وأن الله غني عن العالمين. قال الله تعالى واصفا جهود موسى في أداء رسالته:
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 5 الى 8]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)
«1» «2» «3» «4» [إبراهيم: 14/ 5- 8] .
هذه لوحة مشرّفة لقافلة الإيمان ومسيرة الحق، يتصدّرها موسى عليه السلام،
(1) يذيقونكم.
(2)
يبقونهم أحياء للخدمة.
(3)
اختبار.
(4)
أعلم من غير شبهة.
موصولة النّسب والمتابعة إلى نبيّنا محمد عليه الصلاة والسلام، فكما أرسل الله نبيّه محمدا بالهدى ودين الحق، وأنزل الله عليه القرآن لإخراج الناس من الظّلمات إلى النّور، كذلك أرسل نبيّه موسى إلى بني إسرائيل بالآيات التّسع «1» لإخراجهم من الظّلمات إلى النّور، داعيا إياهم إلى الخير، والانتقال من دائرة الظّلمة والجهل إلى نور المعرفة والهدى والإيمان الحق.
وذكّرهم ووعظهم بأيام الله، أي وقائعه ونقمه التي أحلّها بالأمم الكافرة الظالمة قبلهم، وبتعديد نعم الله عليهم وعلى غيرهم من أهل طاعة الله، إن في ذلك التذكير لدلائل واضحة على وحدانية الله وقدرته، وبيّنات وعبرا لكل كثير الصبر على الطاعة والبلاء، مؤمن ناظر لنفسه، شكور في حال النعمة والرخاء. والتعبير عن النّعم والنّقم بأيام الله: تعظيم لهذه الكوائن المذكّر بها.
ألحّ موسى عليه السلام على قومه الإسرائيليين أن يتذكروا عظائم النّعم الإلهية عليهم، ونجاتهم من النّقم، حيث أنجاهم من ظلم آل فرعون وما كانوا يذيقونهم من ألوان وآلام العذاب والإذلال، وتكليفهم بالشّاق من الأعمال، وكانوا فوق ذلك يذبّحون أبناءهم المولودين الصّغار، خوفا من ظهور ولد إسرائيلي يكون سببا في تدمير ملك فرعون، بحسب تفسير رؤيا فرعون مصر، وكانوا يتركون الإناث أحياء ذليلات مستضعفات، للمتعة والخدمة والمهانة، وفيما ذكر اختبار عظيم من الله لهؤلاء القوم الأشرار، سواء في حال النقمة، أو في حال النعمة، ليعرف مدى شكر الإنسان منهم ومدى كفره وجحود نعمة الله عليه، كما قال الله تعالى في بيان منهاج اختبار البشر:
وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35)[الأنبياء: 21/ 35] .
(1) الآيات التّسع: هي الطوفان، والجراد، والقمّل، والضفادع، والدّم، والعصا، ويده البيضاء، والسنون والقاحلة في بواديهم، والنقص في الثمرات في قراهم.