الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملائكة: يا إبراهيم أعرض عن الجدال في أمر قوم لوط، إنه قد جاء أمر ربّك بتنفيذ القضاء والعذاب فيهم، وإنهم آتيهم عذاب غير مصروف ولا مدفوع عنهم أبدا، لا بجدال ولا بدعاء ولا بشفاعة ونحوها.
قصة لوط عليه السلام مع قومه
انتقل الملائكة الرسل المكلفون بتعذيب قوم لوط أضياف إبراهيم عليه السلام من عند إبراهيم إلى قرى قوم لوط، وهم أهل سدوم وما جاورها من القرى في غور الأردن، وبينهم وبين بلد إبراهيم ثمانية أميال، ولما وصلوا بدأت مأساة عجيبة من قوم لوط بالنسبة لهؤلاء الملائكة الحسان، فأرادوا بهم سوءا، قال ابن عباس:
انطلقوا من عند إبراهيم إلى لوط (ابن أخي إبراهيم) وبين القريتين أربعة فراسخ، ودخلوا عليه، على صورة شباب مرد من بني آدم، وكانوا في غاية الحسن، ولم يعرف لوط أنهم ملائكة الله. كما لم يعرفهم إبراهيم عند أول مقدمهم. وصف القرآن العظيم ماذا حدث في هذه الآيات التالية:
[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]
وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَاّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)
«1» »
«3» «4» «5» «6» «7» «8»
(1) نالته المساءة بمجيئهم.
(2)
ضعف عن تدبير خلاصهم.
(3)
أي شديد في الشر.
(4)
يسرعون.
(5)
لا تفضحوني في ضيفي.
(6)
من حاجة.
(7)
أنضم إلى جانب حصين.
(8)
ببقية من الليل.
«1» «2» [هود: 11/ 77- 83] .
قدم وفد الملائكة إلى بلد لوط، بعد ما أعلموا إبراهيم بهلاك قوم لوط في ليلة قريبة، وكانوا في أجمل صورة بهيئة شباب حسان الوجوه، ابتلاء من الله، فساء لوطا عليه السلام مجيئهم، وضاقت نفسه بسببهم لأنه خاف عليهم شذوذ قومه الجنسي، وخبثهم، وعجزه عن مقاومتهم، وقال: هذا يوم عصيب، أي شديد البلاء والشر، مشيرا إلى ما كان يتخوفه من تعدي قومه على أضيافه، واحتياجه إلى المدافعة، مع ضعفه عنها.
وجاء قوم لوط حينما سمعوا بقدوم الضيوف، بإخبار امرأته إياهم، مسرعين مهرولين من فرحهم بذلك، لارتكاب الفاحشة معهم، وكانوا قبل مجيئهم يعملون السيئات، ويرتكبون الفواحش، وشهد عليهم لوط بقوله: أشهد بالله لهم شر قوم في الأرض، وعدّدت آية أخرى جرائمهم: أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)[العنكبوت: 29/ 29] .
فقام لوط إليهم مدافعا وقال: هؤُلاءِ بَناتِي أي بنات القوم ونساؤهم جملة، إذ نبي القوم أب لهم، والنبي للأمة بمنزلة الوالد. وهن أكرم وأطهر لكم، أي تحت طلبكم وأحلّ لكم. وأَطْهَرُ هنا ليس على سبيل المفاضلة، وليس معناها أن إتيان الرجال شيء طاهر، وكذلك مثل قولنا: أحمر، وأسود، أي ذو حمرة، وسواد.
فاخشوا الله، وخافوه، وأقبلوا ما آمركم به من التمتع بالنساء دون الرجال بعقد الزواج، ولا تفضحوني أو لا تخجلوني في ضيوفي، فإن إهانتهم إهانة لي، أليس منكم رجل ذو رشد وحكمة وعقل وخير، يرشد إلى الطرق القويم.
(1) من طين متتابع.
(2)
لها علامة خاصة عند ربك.
قالوا: لقد علمت سابقا ألا حاجة لنا في النساء ولا نميل إليهن، فلا فائدة فيما تقول، وليس لنا غرض إلا في الذكور، وأنت تعلم ذلك، فأي فائدة في الوعظ؟ قال لوط لقومه متوعدا: لو كان لدي قوة تقاتل معي، أو عشيرة تؤازرني، لقاتلتكم ومنعتكم من تحقيق مرادكم السيّئ. والمراد بالركن الشديد: العشيرة والمنعة بالكثرة بحسب العرف، يعاجلهم به، وهو يعلم أن الله تعالى من وراء عقابهم.
قالت الملائكة بعد هذا الحوار الشديد: يا لوط، إنا رسل ربك، أرسلنا إلى نجاتك من شرهم، وإهلاكهم، ولن يصلوا إليك بسوء، فاخرج مع أهلك بجزء من الليل يكفي لتجاوز حدودها، ولا ينظر أحد منكم إلى ما وراءه أبدا، حتى لا يصيبه شيء من العذاب. امض بأهلك إلا امرأتك. فلا تأخذها معك، إنه مصيبها ما أصابهم من العذاب، لكفرها وخيانتها بدلالة قومها على المنكر. إن موعد عذابهم هو الصبح، من طلوع الفجر إلى شروق الشمس، أليس موعد الصبح بموعد قريب؟ واختيار هذا الوقت لتجمعهم فيه في مساكنهم.
فلما جاء أمر الله بالعذاب، عند طلوع الشمس، ونفذ قضاؤه في قوم لوط، جعل ديارهم وهي قرى سدوم عاليها سافلها، وخسف بهم الأرض، وأمطر عليهم حجارة من طين متحجر، منظم متتابع، معلمة للعذاب، عليهم علامة خاصة عند ربك، أي في خزائنه، وليست هي من الكفار الظالمين أي قريش ونحوهم بمكان بعيد، فهي تشمل كل ظالم، ويمرون على تلك الديار في الأسفار، ويشاهدون آثار الدمار والخراب، سواء في الليل أو في النهار.