الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنزال القرآن ونزوله بالحق
يعلم الله تعالى حاجة البشرية لكتاب ودستور إلهي دائم، يرشد للخير والتوحيد والسعادة، ويحذر من الشر والشرك والشقاوة، ويأمر بالعدل ومكارم الأخلاق، وينهى عن الظلم وقبائح الأقوال والأفعال، لذا أنزل الله القرآن العظيم قائما على الحق والسداد، ومتضمنا الحق في أوامره ونواهيه وأخباره، وملازمة الحق والثبات على الحق أهم خاصية للدوام والخلود، والبعد عن التنازع والخلافات والخصومات، وهذا ما عبّرت عنه الآيات القرآنية التالية:
[سورة الإسراء (17) : الآيات 105 الى 109]
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَاّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109)
«1» «2» «3» [الإسراء: 17/ 105- 109] .
المعنى: إننا أنزلنا القرآن بالحق، أي بالواجب الذي هو المصلحة والسداد للناس، وبالحق الثابت في نفسه، ونزل القرآن بالحق في أوامره ونواهيه وأخباره، فيكون تكرار اللفظ لمعنى مختلف غير الأول، وذهب الطبري إلى أنهما بمعنى واحد، أي بأخباره وأوامره، وبذلك نزل. هذه خاصية القرآن.
وأما خصيصة النبي صلى الله عليه وسلم فالله أبانها أنه ما أرسل نبيه محمدا إلا مبشّرا لمن أطاعه من المؤمنين بالجنة، ونذيرا مخوفا لمن عصاه من الكافرين بالنار.
وأما كيفية نزول القرآن، فكان منجّما، أي مقسطا بحسب الوقائع والمناسبات، لذا وصف الله تلك الكيفية بأنه أنزله مفرقا في مدى ثلاث وعشرين سنة، على وفق
(1) أنزلناه مفرّقا.
(2)
على تؤدة وتمهل.
(3)
إن في هذه الآية هي عند سيبويه: المخففة من الثقيلة، واللام بعدها: لام التأكيد.
المناسبات وأحوال الوقائع والحوادث، وعلى ما تقتضيه الحكمة والمصلحة النافعة في الدنيا والآخرة. ومعنى فَرَقْناهُ بيّناه وأوضحناه وجعلناه فرقانا.
وذلك لتبلّغه أيها النبي الرسول للناس وتتلوه عليهم على مهل وتطاول في المدّة وتأن أو ترسّل في التلاوة، ونزلناه إليك تنزيلا، أي شيئا بعد شيء، وقوله سبحانه:
وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا بعد قوله: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لبيان كون التنزيل على حسب الحوادث.
ثم بعد هذا البيان القرآني، قال تعالى: قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا
…
وهذه آية تحقير للكفار وتوعد، أو أنها للوعيد دون التحقير، والمعنى: أنكم لستم بحجّة، فسواء علينا آمنتم أو كفرتم، وإنما ضرر ذلك على أنفسكم، وسترون ما تجازون به، وإنما الحجة أهل العلم من قبله، كما سيأتي.
وإن علماء أهل الكتاب الصالحين كورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل ونحو هما الذين تمسكوا بكتابهم، ولم يبدلوه ولم يحرفوه، إذا يتلى عليهم هذا القرآن، يسجدون على وجوههم تعظيما لله عز وجل، وشكرا على ما أنعم به عليهم، وعلى بيانه الحق.
وقوله سبحانه: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ أي لناحيتها. والأذقان: أسافل الوجوه حيث يجتمع اللّحيان، وهي أقرب ما في رأس الإنسان إلى الأرض، ولا سيما عند سجوده. وهذا مبالغة في الخضوع والخشوع لله تعالى والخوف منه.
ويقولون في سجودهم: (سبحان ربنا) أي تنزه الله تعالى وتعاظم، وإن وعد الله آت، والله لا يخلف الميعاد، إن وعده لمنجز، واقع، آت لا محالة.
وصفة سجودهم: أنهم يخرون ساجدين باكين، خاشعين، خاضعين لله عز وجل، من خشية الله، وإيمانا وتصديقا بكتابه ورسوله ويزيدهم السجود خشوعا، أي إيمانا وتسليما، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17)[محمد: 47/ 17] .