الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيامة، ليحصل الثواب والعقاب اللذان أخبر بهما الأنبياء، ولإحقاق الحق وإظهار العدل المطلق. وهذه آيات كريمة تبين هذين الأصلين:
[سورة يونس (10) : الآيات 3 الى 4]
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4)
«1» «2» [يونس: 10/ 3- 4] .
الآية الأولى ابتداء دعوة إلى الإقرار بوجود الله وتوحيده وعبادته والاعلام بصفاته، وفي هذا ردّ على إنكار الوحي ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر. ومضمون الرد: أن الله تعالى رب العالم والكون جميعه، وأنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، قيل: هي من أيام الآخرة، وقال الجمهور وهو الصواب: بل من أيام الدنيا، ثم استوى ربنا تبارك وتعالى استواء يليق بعظمته وجلاله، ولا يعلم كيفيته إلا هو، والعرش أعظم المخلوقات، واستوى بقهره وغلبته، وقد سئل الإمام مالك: كيف استوى؟ فقال: «الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة» .
والله تعالى في استوائه على العرش يدبر أمر الخلائق والكون بما يتفق مع حكمته وعلمه، ويقدر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته. والسلطان المطلق لله تعالى في الدنيا والآخرة، ففي الآخرة لا يستطيع شفيع أن يشفع لأحد عنده تعالى إلا من بعد إذنه، أي إرادته ومشيئته، كقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة: 2/ 255] فلا تشفع الأصنام والملائكة أو البشر الذين يزعمون
(1) بالعدل. [.....]
(2)
ماء شديد الحرارة.
أن آلهتهم تشفع لهم عند الله، وإنما الشفاعة لمن أذن له الرحمن ورضي له قولا.
ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ أي الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهية والربوبية من الخلق والتقدير والحكمة والتدبير والتصرف في الشفاعة: وغيرها وهو ربكم المتولي شؤونكم، لا غيره، إذ لا يشاركه أحد في شيء من ذلك.
فَاعْبُدُوهُ أي فأفردوه بالعبادة وحده لا شريك له: أَفَلا تَذَكَّرُونَ أي أفلا تتفكرون أدنى تفكر في أمركم أيها المشركون، فتتوصلون إلى أن الله وحده هو المستحق للربوبية والعبادة، لا ما تعبدونه من الآلهة، وأنتم تقرون بوجود الله وتفرده بالخلق، كما في قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف: 43/ 87] .
ومع إيمان العرب بوحدة الربوبية، كما تدل هذه الآية وغيرها، إلا أنهم كانوا يشركون معه غيره في الألوهية، وهذا ضلال يستدعي التصحيح والرجوع عنه.
ثم أثبت الله تعالى أصلا آخر من أصول الإيمان بعد إثبات التوحيد في العبادة والدعاء، وهو البعث والجزاء، فيخبر الله تعالى أن إليه وحده مرجع الخلائق يوم القيامة، بعد الموت، لا يترك أحدا منكم أبدا، ووعد الله بإيجاد المعاد في الآخرة وعدا حقا ثابتا لا خلف فيه ولا نقص.
والدليل على البعث أنه تعالى كما بدأ الخلق وأنشأه حين التكوين، كذلك يعيده في النشأة الأخرى، والإعادة في ميزان الإنسان أهون من البدء، وهما سواء بالنسبة لله سبحانه، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:
30/ 27] .
وفائدة المعاد واضحة هي أن يجزي الله الذين آمنوا بالله ورسله وما أنزل إليهم، وعملوا الأعمال الطيبة الصالحة، بالعدل في رحمتهم وحسن جزائهم، فهو الجزاء الأوفى، حيث يعطي كل عامل ما يستحقه من الثواب. والجزاء بالعدل لا يمنع