الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقاب الكفرة والمرتدين
لقد قطع الذين لا يؤمنون بآيات الله صلتهم بربهم الذي خلقهم، فحرموا من هداية الله وتوفيقه في الدنيا، وعرّضوا أنفسهم للعذاب الشديد في الآخرة، ودأبوا على الافتراء والكذب، حتى اشتهروا بصفة الكذابين، وهناك فئة أخرى أسوأ منهم وهم المرتدون عن الإسلام، وتاركو الإيمان، فاستحقوا غضب الله وعذابه، وحجبوا قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم عن نور الهداية الربانية، وكانوا حقا هم الخاسرين. قال الله سبحانه مبينا أوصاف هاتين الفئتين:
[سورة النحل (16) : الآيات 104 الى 109]
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108)
لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109)
«1» «2» [النّحل: 16/ 104- 109] .
الكلام في هذه الآيات عن فئتين: فئة المفترين الكاذبين، وفئة المرتدين عن الإسلام.
أما المفترون فهم المشركون المعروفون بأنهم الذين لا يؤمنون بآيات الله، ولا يصدقون بما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء لا يهديهم الله، ولا يوفقهم للحق والإيمان بالله وبما أنزل على رسله، لفقد استعدادهم لذلك، ولاقترافهم السيئات والمنكرات، ولهم في الآخرة عذاب مؤلم موجع، وهم الكاذبون المفترون، وليس
(1) اختاروا.
(2)
حقا أو لا محالة.
المفتري محمدا صلى الله عليه وسلم، وينحصر الكذب حصرا تاما في هؤلاء الذين لا يؤمنون بآيات الله، وكرر الله هذا المعنى وإلصاق صفة الكذب بأولئك المشركين، في قوله:
وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ إذ الصفة بالشيء أبلغ من الخبر به، لأن الصفة تقتضي الدوام أكثر مما يقتضيه الخبر، فبدأ الله في هذه الآية بالخبر، وهو افتراء الكذب في قوله: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ وإنما: حاصرة أبدا، ثم أكده بالصفة وهي ثبوت صفة الكذب للمشركين وملازمتها لهم.
وأما المؤمن فشأنه الصدق والبعد عن الكذب، وتأكد هذا تاريخيا، فحينما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أجابه بأنه صدوق، وكان فيما قال له: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا، فقال هرقل:
فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل.
وأما الفئة الثانية في الآيات فهم المرتدّون، وهم الذين كفروا بعد الإيمان، وهؤلاء عليهم غضب من الله ولعنته وطردهم من رحمة الله، ولهم عذاب شديد في الآخرة، لعلمهم بالإيمان، ثم عدولهم عنه، ولأنهم استحبوا وآثروا الحياة الدنيا على الآخرة، فأقدموا على الردة، ولم يثبتوا على الإيمان والدين الحق، فتسبّبوا في حجب قلوبهم عن هداية الله، والطبع أو الختم على أفئدتهم وصرفها عن طريق الهدى، بحيث لا ينفذ إليها نور الله، ووصفوا بصفة دائمة بأنهم الغافلون غفلة تامة بعيدة عما يراد بهم من سوء المصير، وكانوا من الذين لا يعقلون شيئا ينفعهم. وما أسوأ مصير الإنسان إذا انسدّت طرق الحواس لديه، فصارت لا تنفع في شيء، ولا اعتبار لديه ولا تأمّل، وكانوا حقا في الآخرة هم الخاسرين خسارة مطلقة.
والخلاصة: لقد حكم الله على المرتدين بستة أحكام: أنهم استوجبوا غضب الله، واستحقوا العذاب الأليم، واستحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، لأنهم قوم