الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غريب، وإما تصاحب القيامة نفسها كنفخ الصور، ومجيء القيامة مختص علمه بالله تعالى، ومرتبط بالحكمة الإلهية، التي تتطابق مع ما آل إليه أمر الناس من شر وسوء، وتقصير وخمول، وفوضى وجهالة، ويأس عام وبعد من الاستقامة. قال الله تعالى مبينا بعض علامات القيامة التي هي بمثابة الإنذارات:
[سورة النمل (27) : الآيات 82 الى 86]
وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)
«1» «2» «3» [النّمل: 27/ 82- 86] .
في آخر الزمان عند فساد الناس، وتخلّيهم نهائيّا عن أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق، وتنجيز وعد عذابهم الذي حتّمه الله عليهم وقضاه فيهم، وذلك قبيل قيام الساعة، في ذلك الوقت يخرج الله دابّة من الأرض إما من جبل الصّفا بمكة، وإما من مسجد الكوفة من حيث فار تنّور نوح عليه السلام، وتلك الدابّة سميت الجسّاسة في بعض الأخبار أو الآثار المروية في كتب السّنة الصّحاح، ولكن لم يرد وصف معين لهذه الدابّة، فيكون الله أعلم بها، وتنطق هذه الدابّة بلسان فصيح: إن الناس كانوا لا يوقنون بآيات الله تعالى. روي أن هذه الدابّة مبثوث نوعها في الأرض، فهي تخرج في كل بلد وفي كل قوم.
واذكر أيها النّبي:- وهذا تذكير بيوم القيامة- أننا نحشر، أي نجمع يوم القيامة جماعة من رؤساء كل أمة، من الظالمين المكذبين بآياتنا، فهم يوزعون، أي يحبس أولهم على آخرهم، أو يكفّون في السوق.
(1) اقتربت الساعة.
(2)
جماعة.
(3)
فيها معنى المنع، أي يمنع أولهم ويوقف حتى يتلاحقوا ويجتمعوا.
فإذا جاء هؤلاء الجماعة الموقوفون يوم القيامة، يسألهم الله تعالى سؤال توبيخ:
فيقال لهم: كيف كذّبتم بآياتي الدالّة على تحقيق هذا اليوم ولقائه، غير ناظرين بما أعلمتكم به علما تامّا؟ بل ماذا كنتم تعملون، أي بماذا كنتم تشغلون أنفسكم، أو تعملون فيها من تصديق أو تكذيب؟! إنهم حيارى تائهون، لا يجدون جوابا مقنعا، ولا سبيلا للنجاة.
ثم أخبر الله تعالى عن وقوع القول عليهم، أي نفوذ العذاب، وحتم القضاء، وأنهم لا ينطقون بحجة مقنعة، لفقدانهم إياها. حين يحلّ العذاب بأولئك المكذبين بآيات الله، وذلك بسبب ظلمهم، أي تكذيبهم وكفرهم، فيشغلهم عن النطق والاعتذار، كما جاء في آية أخرى: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)[المرسلات: 77/ 35- 36] .
ثم أوضح الله تعالى دليلا يثبت التوحيد الإلهي، والحشر، والنّبوة وهو: ألم يعلم هؤلاء المكذّبون بآياتنا أنا خلقنا الليل للسكن والنوم والراحة، وخلقنا النهار مضيئا للعمل، وتقلّب الناس في جلب معايشهم وأرزاقهم، إن في ذلك الإبداع أو الخلق لدلالات وآيات بيّنات على قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، وإنجاز البعث بعد الموت، للجزاء والحساب، وعلى توحيد الله تعالى، لقوم يصدقون بالله ورسله.
فمن تأمّل في ظاهرة تعاقب الليل والنهار، والانتقال من حال شبيهة بالموت إلى حال الحركة والحياة، أدرك أن القيامة كائنة، وأن الله سيبعث من في القبور.
وهذه الآية موجهة لجميع المؤمنين والكافرين، فهي في الخطاب لهم جميعا، وفي مجال الانتفاع بها مخصوصة بالمؤمنين، لذا خصّهم الله بالذكر، وجعلهم قدوة حسنة في قبول النصيحة والموعظة، ليكونوا أمام المنكرين والمعاندين مثلا عملية وتجربة رائدة، فهم استعدّوا للإيمان، وتبصّروا بآيات الله، وأيقنوا بوعد الله ووعيده،