الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعظة للذين من قبله من الأمم السابقة ممن عاصر النبي، فاتفق القرآن وجميع الكتب الإلهية السابقة على مبدأ توحيد الله ورفض الشرك.
بل أكثر هؤلاء المشركين لا يعرفون الحق، ويعرضون عنه، ولا يميزون بين الحق والباطل، فلا تنفع معهم الأدلة والبراهين، فهم لجهلهم معرضون عن قبول الحق وعن النظر المؤدي إليه. وهذا دليل على أن الجهل أو عدم العلم: هو أصل الشر والفساد كله، وأنه يترتب على عدم العلم الإعراض عن استماع الحق وطلبه.
عقيدة التوحيد متفق عليها بين النبوات
توحيد الله تعالى وأنه رب واحد لا شريك له: هو الأصل العتيد والجوهر المطلق في العقيدة الدينية، وفي الفكر الإنساني السوي، فلم تختلف النبوات والرسالات الإلهية في الدعوة إلى توحيد الرب تعالى، ولم يتقبل العقل البشري السديد مبدأ الشرك وتعدد الآلهة، الذي أصبح مرفوضا بأدنى نظرة عقلية رشيدة، وكانت نظريات الفلاسفة والحكماء الإلهيين الأصيلة تؤكد مبدأ وحدانية الخالق، وجاء القرآن الكريم مبينا اتفاق الأنبياء في دعوتهم إلى توحيد الله، فقال الله سبحانه:
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 25 الى 29]
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَاّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)
«1» [الأنبياء: 21/ 25- 29] .
(1) خائفون.
أكّد القرآن الكريم مضمون الوحي الإلهي الواحد لجميع الأنبياء، وإعلامه أنه ما أرسل رسولا قط إلا أوحي إليه أن الله تعالى فرد صمد، إله واحد، لا رب غيره، ولا معبود سواه، فكان لزاما على البشر أن يعبدوا الله مخلصين له العبادة، وأن يتجهوا إليه وحده في جميع مطالبهم وتوسلاتهم، دون وسيط ولا شريك، كما جاء في آية أخرى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 16/ 36] . أي ابتعدوا عن كل ما عبد من غير الله. وهذا تنزيه مطلق لله تعالى عن الشركاء.
ثم ضم الله تعالى إلى هذا التنزيه نفي اتخاذ الولد، فلقد كان العرب في الجاهلية مع اتخاذهم آلهة، يقرون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق، إلا أن بعضهم قال: اتخذ الله الملائكة بنات، وبعض الناس اتخذوا نبيهم أو وليهم الصالح ابنا لله، فردّ الله تعالى على جميعهم: بأن الله لم يتخذ ولدا، وأنه منزه عن مقالة الكفرة، فليس الملائكة بنات الله، بل هم عباد مخلوقون لله، مقربون لديه، والعبودية تنافي الولادة وتتعارض معها، فعبيد الله ليسوا أولادا له، كل ما في الأمر أن الملائكة مفضلون على سائر العباد، لتميزهم بالخصائص الآتية:
1-
لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ أي لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به ربهم، ولا يخالفونه فيما أمرهم به، بل يبادرون إلى فعله، وهذا دليل على حسن طاعتهم وعبادتهم ومراعاتهم لامتثال الأمر.
2-
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ أي إن الله تعالى يعلم علما تاما وشاملا كل ما تقدم من أفعال الملائكة وأعمالهم، سواء المتقدم منها والمتأخر، والظاهر منها والباطن.
3-
وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى أي إن الله أخبر أن الملائكة لا يجرءون أن
يشفعوا بأحد من الناس إلا لمن ارتضى الله أن يشفع لهم، وكان أهلا للشفاعة، فليس لبشر أن يتعلق بشفاعة غير الله، فإن الشفاعة مرتبطة بإذن الله ورضاه.
4-
وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ أي إن الملائكة أنفسهم خائفون حذرون من هيبة الله وجلاله، مراقبون ربهم، مبالغون في الخوف من مصائرهم عند ربهم.
وإذا كان هذا شأن الملائكة مع الله، فالناس أولى بالخوف والخشية والحذر من الله، لتورطهم في المعاصي، لذا استحقوا الإنذار الإلهي بالوعيد الشديد، والتهديد الكبير، فمن يدعي من البشر أنه إله من دون الله، أي مع الله، كإبليس الذي دعا إلى عبادة نفسه، وفرعون الذي ادعى الألوهية والربوبية، فجزاؤه الحتمي جهنم على ادعائه الباطل، أما الملائكة فلم يقل واحد منهم: إني إله غير الله.
ومثل ذلك الجزاء للمتأله المستكبر، يجزي الله بالنار كل جائر ظالم نفسه، خارج عن حدوده وإمكاناته، والظالمون: هم المشركون، فإذا كان الله تعالى يجازي مدعي الألوهية، فهو يجازي الظالمين: وهم كل من أشركوا مع الله إلها آخر، ووضعوا الألوهية والعبادة في غير موضعها. أفبعد هذا النفي الشديد لتعدد الآلهة، وبعد هذا الإنذار الرهيب لمن تورط في الشرك والوثنية يكون لعاقل أن يزعم لنفسه صفة من صفات الله تعالى التي تفرّد بها؟! ومن صفات الله: الجلال والعظمة والكبرياء، والخلق والرزق، والإحياء والإماتة، والتدبير المطلق، والإرادة النافذة، والعلم المحيط بكل شيء.
والخلاصة: «كذلك نجزي الظالمين» معناه كجزائنا هذا القائل المدعي الألوهية جزاؤنا الظالمين.