الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بألوهيته. وصفاته: أنه تعاظم حين جعل في السماء بروجا، أي منازل للكواكب السيارة وغيرها، وجعل في السماء سراجا: وهي الشمس الساطعة، وقمرا منيرا.
والله هو الذي جعل الليل والنهار متعاقبين، يخلف أحدهما الآخر، ويأتي بعده، توقيتا لأوقات العبادة، وترويحا للنفوس، وتهدئة في الليل للمشاعر، وتيسيرا للرزق في النهار، لمن أراد أن يتذكر ما يجب عليه، ويتفكر في عجائب صنع الله، ويشكر ربه على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.
صفات عباد الرحمن
- 1- تميز القرآن الكريم بالعناية بالإيجابيات أكثر من السلبيات، وبالبناء التشريعي والعقدي والخلقي أكثر من الهدم والفوضى والانحلال، وبالأوامر الحاملة على التهذيب والفضيلة أكثر من النواحي التي تمنع من الانحراف والرذيلة، لذا تجد آيات القرآن تصف ضلال الكافرين والجاحدين، وتوبخهم وتؤنبهم، ثم تعود للعناية بتربية جيل الإيمان، ووفد العقيدة، وموكب النور والحضارة، لأن الإنذار وبيان العيوب ينبه العقلاء إلى وهاد الشر والفساد، أما التبشير والترغيب: فيأخذ بأيدي الصلحاء إلى جادة الحق ومنهج الاستقامة، وهكذا نجد ذم المشركين في آيات سابقة، ثم العودة السريعة لوصف عباد الرحمن بصفات جليلة ودائمة، قال الله تعالى في بيان هذه الصفات:
[سورة الفرقان (25) : الآيات 63 الى 67]
وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67)
«1» «2»
(1) بسكينة ووقار.
(2)
قولا سديدا فيه أمان وسلام من الأذى.
«1» «2» «3» [الفرقان: 25/ 63- 67] .
هذه خمس صفات من تسع لعباد الرحمن- وهم المؤمنون حقا- تجمع بين غرر الأخلاق أو الآداب، وبين مصداقية العبادة، واعتدال النفقة، حتى لا يقع المؤمن في ضائقة، قد تصرفه عن واجباته نحو الله تعالى، أو توقعه في قلق وحيرة، وضرر وشدة.
1-
أما الصفة الأولى من هذه الصفات: فهي التواضع وسمو النفس، فإن عباد الرحمن هم الذين يمشون في الأرض بسكينة ورفق ووقار، من غير ترفع ولا تعاظم، ويعاشرون الناس معاشرة حسنة لينة، من غير غلظة ولا قسوة، مع الاحتفاظ بسمو النفس وعزتها، وترفعها عن الدنايا، ومن غير استضعاف ولا ذلة، وإذا أساء إليهم الجهلة، لم يقابلوهم بالإساءة، وإنما عفوا وصفحوا، ولم يقولوا إلا خيرا، وإنما يقولون للجاهل: سلاما، من السلامة لا التسليم، أو يقولون قولا سديدا.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكفأ في مشيه، كأنما يمشي في صبب «4» ، ويخاطب الناس برفق وترفع عن الخطأ والإيذاء.
2-
والصفة الثانية لعباد الرحمن: الحلم والأناة أو الإعراض عن الجاهلين، فإذا سفه عليهم الجهال بسوء القول، لم يعاملوهم بالمثل، بل عفوا وصفحوا، وتكلموا بخير، من غير غيظ ولا غضب، ورجح سيبويه أن المراد من قولهم:«سلاما» السلامة، لا التسليم. وتكون هاتان الصفتان الأولى والثانية: هما ترك الأذى، وتحمل الأذى.
3-
والصفة الثالثة: هي التهجد ليلا، فهم في ليلهم حيث ينام الآخرون
(1) لازما ممتدا.
(2)
لم يضيّقوا.
(3)
وسطا بين الحالين.
(4)
أي مكان منحدر.
يستمتعون بلذة المناجاة مع الإله الخالق، يصلون صلاة الليل، ويذكرون ربهم ساجدين قانتين، قائمين طائعين، لأن العبادة تحلو في جوف الليل، وتكون دليلا على الإخلاص والصدق، وحب التقرب من الله تعالى، كما جاء عن عبادة الليل في آية أخرى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)[المزمل: 73/ 6] . وكل إنسان مكلف بالتهجد بقدر الاستطاعة.
4-
والصفة الرابعة: هي الخوف من عذاب الله في جهنم، فهم يدعون ربهم بصرف عذاب النار عنهم، حتى يكونوا دائما في حذر وخوف مع الرجاء، وحيث يكون ذلك دليلا على صحة عقيدتهم وإيمانهم، وتطابق أعمالهم مع اعتقادهم، وعلة الدعاء على هذا النحو: أن عذاب جهنم ملازم للإنسان العاصي، ثقيل على النفس، وإن جهنم بئس المستقر أو المكان هو، وبئس موضع الإقامة هو أيضا.
5-
والصفة الخامسة: هي الاعتدال في الإنفاق أي ترك الإسراف والتقتير. فإن شأن المؤمنين إذا أنفقوا على أنفسهم لم يكونوا مبذّرين في النفقة، فلا تزيد عن الحاجة، ولا بخلاء مقترين، فيقصرون في أداء الحق والواجب، وإنما ينفقون أموالهم بنحو عدل وسط، بقدر الحاجة. والقصد من هذه الصفة: هو جعل نفقة الطاعات في المباحات من غير إفراط ولا تفريط، فلا يسرف حتى لا يضيع أو يهدر ثروته في وقت قصير، ولا يقتّر فيضيع حقا آخر أو يهمل عياله وأهله، أو يجيعهم ويفرط في الشح والبخل، والحسن في ذلك: هو القوام أي العدل، والقوام في كل واحد:
بحسب عياله وحاله، وبمدى قدرته أو جلده وصبره على الكسب، وخير الأمور أوساطها، كما جاء في آية أخرى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29)[الإسراء: 17/ 29] .
أما النفقة في العبادة التي توهم غير المراد منها: فهي أمر قد حظرت الشريعة قليلة وكثيره، وكذلك التعدي على مال للآخرين.