الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِئٍ فَلْيَتْبَعْ». [خ 2287، م 1564، ت 1308، ن 4688، جه 2403، حم 2/ 245]
(11) بَابٌ: في حُسْنِ الْقَضَاءِ
3346 -
حَدَّثَنَا (1) الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
===
وإذا أُتْبعَ) بصيغة المجهول.
قال الخطابي (2): قوله: "مطل الغني ظلم" دلالة أنه إذا لم يكن غنيًا يجد بالقضية لم يكن ظالمًا، وإذا لم يكن ظالمًا لم يجز حبسه، وقوله:"إذا أتبع" يريد إذا أحيل، وأصحاب الحديث يقولون: إذا اتُّبع بتشديد التاء، وهو غلط، وصوابه إذا أُتْبع ساكنة التاء على وزن أفعل، ومعناه: إذا أحيل أحدكم، وفيه دليل على أن الحق يتحول به إلى المحال عليه، ويسقط عن المحيل، ولا يكون عليه للمحتال سبيل عند موت المحال عليه وإفلاسه، وذلك لأنه قد اشترط عليه الملأ، والحوالة قد تصح حكمًا على غير المليء، فكان فائدة الشرط ما قلت، والله أعلم.
(أحدكم على مليء)(3) أي غني (فليتبع) أي إذا أحيل أحدكم من الدائنين على غني فليقبل الحوالة، وليتبع المحتال عليه في أخذ دينه.
(11)
(بَابٌ: في حُسْنِ الْقَضَاء)
3346 -
(حدثنا القعبني، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن
(1) زاد في نسخة: "عبد الله بن مسلمة".
(2)
"معالم السنن"(3/ 65، 66).
(3)
قال ابن الأثير في "النهاية"(4/ 352): هو بالهمز: الثقة، وقد أولع الناس فيه بترك الهمز وتشديد الياء.
يَسَارٍ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ قَالَ: اسْتَسْلَفَ (1) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَكْرًا، فَجَاءَتْهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَنِى أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَقُلْتُ: لَمْ أَجِدْ فِى الإِبِلِ إلَّا جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًّا، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:«أَعْطِهِ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خِيَارَ (2) النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» . [م 1600، ت 1318، م 4617، 2285، حم 6/ 390، خزيمة 2332]
3347 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مُحَارِبِ (3) قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ لِى عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ فَقَضَانِى وَزَادَنِى. [خ 443، م 715، ن 4591، حم 3/ 299، دي 2587]
===
يسار، عن أبي رافع قال: استسلف) أي استقرض (رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرًا) هو الفتي من الإبل، بمنزلة الغلام من المذكور، والقلوص بمنزلة الجارية من الإناث (فجاءته إبل من الصدقة، فأمرني أن أقضي الرجل بَكْرَه، فقلت: لم أجد في الإبل إلَّا جملًا خيارًا رباعيًا) وهو من الإبل الذي أتت عليه ست سنين، ودخلت في السنة السابعة (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطه إياه، فإن خيار الناس أحسنهم (4) قضاءً).
3347 -
(حدثنا أحمد بن حنبل، نا يحيى، عن مسعر، عن محارب) بن دثار (قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقضاني) أي أدَّاني (وزادني).
(1) في نسخة: "استسلفت لرسول الله".
(2)
في نسخة: "خير".
(3)
زاد في نسخة: "ابن دثار".
(4)
وأشكل عليه أن الزيادة من إبل الصدقة كيف ساغ له صلى الله عليه وسلم؟ وأجيب بأن الرجل أيضًا من أهل الضرورة، ولهم حق في بيت المال، كذا في "الكوكب الدري"(2/ 340).
قلت: ثم رأيته أجاب بذلك العيني في "شرح الطحاوي" وسيأتي في "البذل" أيضًا. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال القاري (1): وفي "شرح السنَّة": فيه من الفقه جواز استسلاف الإِمام للفقراء إذا رأى بهم خلة وحاجة، ثم يؤديه من مال الصدقة، وفيه دليل على جواز استقراض الحيوان وثبوته في الذمة، وهو قول أكثر أهل العلم، وبه قال الشافعي (2)، وفيه دليل أيضًا على أن من استقرض شيئًا يردُّ مثلَ ما اقترض، سواء كان ذلك من ذوات القيم أو من ذوات الأمثال؛ لأن الحيوان من ذوات القيم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برد المثل، وفيه دليل على من استقرض شيئًا فرد أحسنَ أو أكثرَ منه من غير شرط كان محسنًا، ويحل ذلك للمقرض.
وقال النووي (3): يجوز للمقرض أخذ الزيادة، سواء زاد في الصفة أو في العدد، ومذهب مالك أن الزيادة في العدد منهي عنها، وحجة أصحابنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم:"فإن خير الناس أحسنهم قضاء".
وفي الحديث إشكال، وهو أن يقال: كيف قضى من إبل الصدقة أجودَ من الذي يستحقه الغريم مع أن الناظر في الصدقات لا يجوز تبرُّعُه منها؟ والجواب: أنه صلى الله عليه وسلم اقترض لنفسه، ثم اشترى في القضاء من إبل الصدقة بعيرًا وأداه، ويدل عليه حديث أبي هريرة:"اشتروا له بعيرًا، فأعطوه إياه"(4)، وقيل: إن المقترض كان بعض المحتاجين اقترض لنفسه، فأعطاه من الصدقة حين جاءت، وأمره بالقضاء.
(1)"مرقاة المفاتيح"(6/ 117).
(2)
وفي "الدر المختار": صح القرض في مثلي، لا في غيره من القيميات، كحيوان، وحطب، وكل متفاوت؛ لتعذر رَدَّ المثل.
قال ابن عابدين: قوله "مثلي" كالمكيل والموزون والمعدود المتقارب
…
إلخ. [انظر: "رد المحتار" (7/ 388)]. (ش).
(3)
"شرح النووي على صحيح مسلم"(6/ 42، 43).
(4)
أخرجه مسلم (1601).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال: وفيه جواز (1) إقراض الحيوانات كلها، وهو مذهب مالك والشافعي وجماهير العلماء من الخلف والسلف، إلَّا الجارية لمن يملك وطأها.
ومذهب أبي حنيفة: أنه لا يجوز، والأحاديث ترد عليه، ولا يُقْبَلُ دعوى النسخ بغير دليل (2).
قال أكمل الدين: قيل: فيه جوازُ استقراض الحيوان، وثبوتُه في الذمة، وهو قول الأكثر، وفيه نظر؛ لجواز أن يكون ذلك أداء بقيمة ما اشترى به البعير، إذ ليس في الحديث ما يدل على كونه قرضًا، انتهى.
قلت: والدليل لأبي حنيفة هو ما رواه الأئمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما:"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة"، وعن جابر رضي الله عنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرى بأسًا ببيع الحيوان بالحيوان، اثنين بواحد، ويكرهه نسيئة"، وعن ابن عمر رضي الله عنهما:"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة"، وكذا عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، رواها الطحاوي في "معاني الآثار"(3).
قال أبو جعفر: فكان هذا ناسخًا لما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إجازة بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، فدخل في ذلك أيضًا استقراض الحيوان، فقال أهل المقالة الأولى: هذا لا يلزمنا؛ لأنا قد رأينا الحنطة لا يباع بعضها ببعض نسيئة، وقرضها جائز، فكذلك الحيوان، فكان من حجتنا على أهل هذه المقالة
(1) قال النووي: فيه ثلاثة مذاهب للعلماء، الأول: مذهب الجمهور أنه يجوز قرض جميع الحيوان إلا الجارية لمن يملك وطأها فإنه لا يجوز، ويجوز إقراضها لمن لا يملك وطأها كمحارمها، والمرأة، والثاني: مذهب المزني وابن جرير وداود وغيره أنه يجوز قرض الجارية أيضًا، والثالث: مذهب الحنفية أنه لا يجوز قرض شيء من الحيوان، ودعوى النسخ باطل، انتهى. "شرح النووي على صحيح مسلم"(6/ 42، 43). (ش).
(2)
قلت: ودليل النسخ في "شرح معاني الآثار" للطحاوي (4/ 60). (ش).
(3)
"شرح معاني الآثار"(4/ 60 - 62).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أن نهيَ النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، يحتمل أن يكون ذلك لعدم الوقوف منه على المثل، ويحتمل أن يكون من قِبَل ما قال أهل المقالة الأولى في الحنطة بالحنطة في البيع والقرض.
فإن كان إنما نهى عن ذلك من طريق عدم وجود المثل، ثبت ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية، وإن كان من قبل أنهما نوع واحد لا يجوز بيع بعضه ببعضه نسيئة، لم يكن في ذلك حجة لأهل المقالة الثانية على أهل المقالة الأولى، فاعتبرنا ذلك، فرأينا الأشياء المكيلات والموزونات لا يجوز بيع بعضها ببعض نسيئة، ولا بأس بقرضها، ورأينا ما كان من غيرها، مثل الثياب وما أشبهها، فلا بأس ببيع بعضها ببعض وإن كانت متفاضلة.
وبيع بعضها ببعض نسيئة فيه اختلاف الناس، فمنهم من يقول: ما كان منها من نوع واحد فلا يصلح بيع بعضه ببعضه نسيئة، وما كان منها من نوعين مختلفين فلا بأس ببيع بعضه ببعضه نسيئة، وممن قال بهذا القول: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد - رحمة الله عليهم أجمعين -.
ومنهم من يقول: لا بأس ببيع بعضها ببعض يدًا بيد ونسيئة، وسواء عنده كانت من نوع واحد أو من نوعين.
فهذه أحكام الأشياء المكيلات والموزونات والمعدودات غير الحيوان على ما فسرنا، فكان غير المكيل والموزون لا بأس ببيعه بما هو من خلاف نوعه نسيئة، وإن كان المبيع والمبتاع ثيابًا كلها، وكان الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة وإن اختلفت أجناسه، لا يجوز بيع عبد ببعير، ولا ببقرة، ولا بشاة نسيئة.
ولو كان النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة إنما كان لاتفاق النوعين، لجاز بيع العبد بالبقرة نسيئة؛ لأنها من غير نوعه، كما جاز بيع ثوب الكتان بثوب القطن الموصوف نسيئة، فلما بطل ذلك في نوعه، وفي غير