الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِأَرْنَبٍ قَدْ صَادَهَا، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قَدْ جِيءَ بِهَا إِلَى رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا جَالِسٌ فَلَمْ يَأْكُلْهَا وَلَمْ يَنْهَ عن أَكْلِهَا، وَزَعَمَ أَنَّهَا تَحِيضُ". [ق 9/ 321]
(29) بَابٌ: في أَكْلِ الضَّبِّ
3793 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: نَا شُعْبَةُ، عن أَبِي بِشْرٍ،
===
البلدان" (1): الصفاح موضع بين حنين وأنصاب الحرم على يسرة الداخل إلى مكة من مشاش.
(وأن رجلًا جاء بأرنب قد صادها، قال: يا عبد الله بن عمرو، ما تقول؟ قال: قد جيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها، وزعم أنها تحيض (2)).
فالحديث الأول يدل على جواز أكل الأرنب، لأنه صلى الله عليه وسلم قبلها، وأما الثاني فمع ضعفه لا يدل على الكراهة.
وكتب مولانا محمد يحيى المرحوم: قوله: وزعم أنها تحيض، الزعم ها هنا القول، وإنما ذكر لها النبي صلى الله عليه وسلم تلك الخاصة إظهارًا لحالها العجيبة، وليس المراد بذكره التحريم، أو على الكراهة بملابسة الدم، فإن خروجه أنظف وأبعد من تلبس اللحم به.
(29)
(بَابٌ: في أَكْلِ الضَّبِّ)(3)
3793 -
(حدثنا حفص بن عمر قال: نا شعبة، عن أبي بشر،
(1)"معجم البلدان"(3/ 412).
(2)
وتحيض من الحيوانات: المرأة والضبع والخفاش والأرنب، ويقال: الكلبة أيضًا، وقيل: الناقة والوزغة أيضًا، كذا في "القسطلاني"(12/ 284)، واكتفى صاحب "حياة الحيوان" على الأربعة الأول. [انظر:"حياة الحيوان"(1/ 29)]. (ش).
(3)
ومن العجيب أن له ذكران ولأنثاه فرجان، ويأكل أولاده ظنًا منه إذا خرجوا عن البيض أنهم يفسدون البيض، كذا في "حياة الحيوان"(2/ 100). (ش).
عن سعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ خَالَتَهُ أَهْدَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمْنًا وَأَقِطَا وَأَضُبًّا، فَأَكَلَ مِنَ السَّمْنِ وَمِنَ الأَقِطِ، وَتَرَكَ الأَضُبَّ تَقَذُّرًا، وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [خ 2575، م 1947، ن 4319]
3794 -
حَدثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عن مَالِكٍ، عن ابْنِ شِهَابٍ، عن أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عن خًالِدِ بْنِ الْوَليدِ، أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذِ،
===
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن خالته) أم حفيد بنت الحارث بن حرب الهلالية، أخت ميمونة أم المؤمنين، وكانت نكحت في الأعراب، وهي التي أهدت الضباب (أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سمنًا وأقطًا وأضبًا) جمع ضب (فأكل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من السمن ومن الأقط، وترك الأضب تقذرًا، وأُكل على مائدته صلى الله عليه وسلم، ولو كان حرامًا ما كل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قلت: وهذا يدل على الإباحة حين أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما على أنه لم ينه عنه بعد، فلا، فإنه سيأتي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الضب، ولو سلِّم عدم تأخر النهي، فغاية ما في الباب حمل الإباحة والنهي في زمان واحد، فيقدم الحرمة على الإباحة (1).
3794 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد الله بن عباس، عن خالد بن الوليد، أنه) أي خالد بن الوليد (دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ) أي مشوي
(1) لعل ذلك عند الحنفية خلافًا للشافعية، فإنهم رجحوا الإباحة إذ ذاك، كما علل الدميري بذاك إباحة السنجاب، وعلى هذا فهو أصل كبير مختلف فيه، يتفرع عليه كثير من الحيوانات. (ش).
فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي في بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، فَقَالُوا: هُوَ ضَبٌّ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يدَهُ، قال: فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ (1)؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ".
قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ، فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ. [خ 5537، م 1946، ن 4317، جه 3241]
3795 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عن حُصَيْنٍ، عن زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عن ثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ
===
(فأهوى) أي أمال (إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يريد أكلها، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه، فقالوا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو ضب، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، قال) أي خالد: (فقلت: أحرام هو) يا رسول الله؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه) أي أقذره وأكرهه.
(قال خالد: فاجتررته) إليَّ (فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر) أي تعجبًا.
3795 -
(حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا خالد، عن حصين، عن زيد بن وهب، عن ثابت بن وديعة) ويقال: ابن يزيد بن وديعة بن عمرو بن قيس، الخزرجي الأنصاري، أبو سعيد المدني، له ولأبيه صحبة، أخرجوا له حديثًا واحدًا في الضب، ذكر الترمذي في "تاريخ الصحابة": أنه ثابت بن يزيد، وأن وديعة أمه، شهد خيبر، ثم شهد صفين مع علي، سكن الكوفة، قال ابن السكن وابن عبد البر: حديثه في الضب يختلفون فيه اختلافًا كثيرًا، قلت: وصححه الدارقطني، وأخرجه أبو ذر الهروي في "المستدرك على الصحيحين".
(1) زاد في نسخة: "يا رسول الله".
قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في جَيْشٍ، فَأَصَبْنَا ضِبَابًا، فَشَوَيْتُ مِنْهَا ضَبًّا، فَأَتَيْتُ (1) رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَأَخَذَ عُودًا فَعَدَّ بِهِ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابًّا (2) في الأَرْضِ، وَإِنِّي لَا أَدْرِي أَيَّ الدَّوَابِّ هِيَ؟ "، قَالَ: فَلَمْ يَأْكُلْ (3) وَلَمْ يَنْهَ. [ن 4321، جه 3238، حم 4/ 220]
===
(قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش، فأصبنا ضبابًا) قال: (فشويت منها ضبًا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته بين يديه، قال: فأخذ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عودًا) أي خشبًا (فعد به أصابعه، ثم قال: إن أمة من بني إسرائيل مسخت دوابًا في الأرض، واني لا أدري أي الدواب هي، قال: فلم يأكل (4) ولم ينه عنه).
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: كيف يجمع بين هذا وبين ما ورد: "الممسوخ لا يعيش ثلاثة أيام ولا يعقب"، والجواب أنه صلى الله عليه وسلم لعله علم بالمسخ، ولم يعلم بعد أن الممسوخ (5) لا يعيش ولا يعقب له، ثم بعد ذلك أعلم بذلك، انتهى.
قلت: يحتمل أن يكون معناه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُعلم بأن أمة من بني إسرائيل مُسخت دوابًا في الأرض، ولا أدري أي الدواب هي، يعني لم يخبر أن أمة من بني إسرائيل التي مسخت على صورة أي الدواب هي، لأن الممسوخ إذا كان على أي صورة الدواب يكون حرامًا، فلو علم أن الممسوخ على صورة الضب، يكون الضب حرامًا، كما أن القردة والخنازير حرام، لأن بعض الأمم مسخت على صورتها، فلما لم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم تردد في أكله وتركه، فلم يأكل ولم ينه عنه، ثم بعد ذلك ورد النهي عنه، كما يأتي في الحديث الآتي.
(1) في نسخة بدله: "وأتيت".
(2)
في نسخة: "دواب".
(3)
زاد في نسخة: "منه".
(4)
وروي له: "لا آكله ولا أحرمه"، ذكره ابن قتيبة في "التأويل"(ص 324). (ش).
(5)
لكن يشكل عليه ما في "مسلم" في الفأرة، آية ذلك لا يشرب لبن الإبل
…
إلخ. (ش).
3796 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ نَافِعٍ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: نَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عن ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ، عن شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عن أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ، عن عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ شِبْلٍ:"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ". [ق 9/ 326]
===
3796 -
(حدثنا محمد بن عوف الطائي، أن الحكم بن رافع حدثهم، قال: نا ابن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي راشد الحبراني) بضم المهملة وسكون الموحدة، الشامي، قيل اسمه: أخضر، وقيل: النعمان، ثقة.
(عن عبد الرحمن بن شبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كل لحم الضب)، قال الشوكاني (1): قال النووي (2): أجمع المسلمون (3) على أن الضب حلال ليس بمكروه، إلَّا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته، وإلا ما حكاه القاضي عن قوم أنهم قالوا: هو حرام، وما أظنه يصح عن أحد، وإن صح عن أحد فمحجوج بالنصوص والإجماع من قبله، انتهى.
قال الحافظ (4): قد نقل ابن المنذر عن علي رضي الله عنه، فأين يكون الإجماع مع مخالفته؟ ونقل الترمذي (5) كراهته من بعض أهل العلم، وقال الطحاوي في "معاني الآثار" (6): كره قوم أكل الضب، ومنهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)"نيل الأوطار"(5/ 194).
(2)
"شرح صحيح مسلم" للنووي (7/ 113).
(3)
منهم الثلاثة والظاهرية والطحاوي (4/ 200)، وحكى الدميري (2/ 101) أيضًا الإجماع على إباحته، وذكر أيضًا حديثًا طويلًا في إسلام ألف رجل بشهادة ضب لنبوته صلى الله عليه وسلم. (ش).
(4)
"فتح الباري"(9/ 665).
(5)
"سنن الترمذي"(1791).
(6)
"شرح معاني الآثار"(4/ 200).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أنه نهى عن أكل لحم الضب، أخرجه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن شبل.
قال الحافظ في "الفتح": وإسناده حسن، وحديث إسماعيل بن عياش عن الشاميين قوي، وهؤلاء شاميون ثقات، ولا يغتر بقول الخطابي: ليس إسناده بذاك، وقول ابن حزم: فيه ضعفاء مجهولون، وقول البيهقي: تفرد به ابن عياش وليس بحجة، وقول ابن الجوزي: لا يصح، ففي كل ذلك تساهل لا يخفى، فإن رواية إسماعيل عن الشاميين قوية عند البخاري، وقد صحح الترمذي بعضها.
وأخرج أحصد وأبو داود، وصححه ابن حبان والطحاوي، وسنده على شرط الشيخين من حديث عبد الرحمن بن حسنة:"نزلنا أرضًا كثيرة الضباب"، الحديث، وفيه: أنهم طبخوا منها، فقال صلى الله عليه وسلم:"إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب، فأخشى أن تكون هذه فاكفؤها"(1)، ومثله حديث أبي سعيد المذكور في الباب.
قال في "الفتح"(2): والأحاديث وإن دلت على الحل تصريحًا وتلويحًا، ونصًا وتقريرًا، فالجمع بينها وبين الحديث المذكور: حمل النهي فيه على أول الحال عند تجويز أن يكون مما مسخ، وحينئذ أمر بإكفاء القدور، ثم توقف فلم يأمر به ولم ينه عنه، وحمل الإذن فيه على ثانى الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له، وبعد ذلك كان يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه، وأكل على مائدته بإذنه، فدل على الإباحة، وتكون الكراهة للتنزيه في حق من يتقذره، وتحمل على الإباحة على من لا يتقذره، انتهى (3).
قلت: وتوجيه الجمع هذا بعيد غاية البعد، بل الوجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه أحمد (4/ 196)، وابن حبان (5266)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 197).
(2)
"فتح الباري"(9/ 666).
(3)
انظر: "نيل الأوطار"(5/ 194).