الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
في ثبوت العادة للمبتدأة
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
- إذا سبق للمبتدأة حيضة صحيحة ثم استحاضت ردت إليها، وهو أقرب من ردها إلى عادة النساء.
[م-700] اختلف العلماء في ثبوت العادة للمبتدأة:
فقيل: تثبت العادة بمرة للمبتدأة. وهو مذهب المالكية
(1)
، وقول أبي يوسف من الحنفية
(2)
، وقيل الفتوى عليه عندهم
(3)
. والمشهور من مذهب الشافعية
(4)
.
وقيل: تثبت العادة بمرتين، وهو قول أبي حنيفة ومحمد
(5)
، ووجه للشافعية
(6)
، ورواية في مذهب الحنابلة
(7)
.
(1)
شرح الزرقاني لمختصر خليل (1/ 134)، حاشية الدسوقي (1/ 169)، مواهب الجليل (1/ 368).
(2)
تبيين الحقائق (1/ 64)، بدائع الصنائع (1/ 42)، البحر الرائق (1/ 224).
(3)
البحر الرائق (1/ 224).
(4)
المجموع (2/ 443)، روضة الطالبين (1/ 145).
(5)
تبيين الحقائق (1/ 64)، بدائع الصنائع (1/ 42)، البحر الرائق (1/ 224).
(6)
المجموع (2/ 422).
(7)
الفروع (1/ 269)، الإنصاف (1/ 361).
وقيل: لا تثبت العادة حتى تتكرر ثلاث مرات، وهو المشهور من مذهب الحنابلة
(1)
.
أدلة من قال: تثبت العادة بمرة:
من القرآن قوله تعالى: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)[الأعراف: 29].
فسمى الثاني عودًا، وهو لم يسبق إلا مرة واحدة.
(1597 - 59) من السنة: ما رواه مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن امرأة كانت تهراق الدماء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لتنظر إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصل
(2)
.
[رجاله ثقات، إلا أن سليمان لم يسمعه من أم سلمة]
(3)
.
(1)
الممتع شرح المقنع - التنوخي (1/ 287)، الإنصاف (1/ 371).
(2)
الموطأ (1/ 62).
(3)
الحديث اختلف في إسناده.
فقيل: عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة.
وقيل: عن سليمان، عن رجل، عن أم سلمة.
وقيل عن سليمان، أن فاطمة بنت حبيش استحيضت، فأمرت أم سلمة.
وقيل: عن سليمان، عن مرجانة، عن أم سلمة.
أما رواية سليمان بن يسار، عن أم سلمة مرفوعًا.
فرواها أيوب، واختلف عليه فيه:
فرواه وهيب كما في مسند أحمد (6/ 321، 322)، وسنن أبي داود (278) وسنن الدارقطني.
وسفيان كما في مسند الحميدي (304)، والطبراني في الكبير (23/) ح 919، ومشكل الآثار للطحاوي (2723)، وسنن الدارقطني (1/ 207).
وعبد الوارث، كما في سنن الدارقطني أيضًا (1/ 208) ثلاثتهم عن وهيب قال: حدثنا أيوب، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة بلفظ: أن فاطمة استحيضت، وكانت تغتسل في مركن لها، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فتخرج، وهي عالية الصفرة والكدرة، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: تنظر أيام قرئها، أو أيام حيضها، فتدع الصلاة، وتغتسل فيما سوى ذلك، وتستثفر بثوب، وتصلي.
هذا لفظ أحمد. وليس في هذا موضع شاهد للباب، وهو قوله (قبل أن يصيبها الذي أصابها). ولم يرد هذا اللفظ إلا في رواية مالك عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة.
ورواه حماد بن زيد كما في سنن الدارقطني (1/ 208)، والتمهيد لابن عبد البر (16/ 56)، عن سليمان بن يسار، أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت، حتى كان المركن ينقل من تحتها، وأعلاه الدم. قال: فأمرت أم سلمة أن تسأل لها النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه ابن علية كما في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 118) وسنن الدارقطني (1/ 208) عن أيوب، عن سليمان بن يسار أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال سئل لها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تذكر أم سلمة.
فواضح أن طريق أيوب قد اختلف في وصله وإرساله.
ورواه نافع عن سليمان، واختلف على نافع:
فرواه مالك عن نافع، عن سليمان، عن أم سلمة، كرواية أيوب عن سليمان.
رواه مالك في الموطأ (1/ 62) ومن طريق مالك أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1182)، والشافعي في مسنده (ص: 274)، وأحمد في المسند (6/ 320) وإسحاق بن راهويه (1844)، وأبو داود (274) والنسائي (208، 355)، وفي الكبرى (214)، ومشكل الآثار للطحاوي (2720)، والبغوي (325).
ورواه جرير بن حازم كما في مشكل الآثار للطحاوي (2724) عن نافع، عن سليمان بن يسار أن أم سلمة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن فاطمة ابنة أبي حبيش وكانت تهراق دمًا
…
فذكر نحوه، فقال: أن أم سلمة، ولم يقل عن أم سلمة، وهذا ظاهره الإرسال.
ورواه جماعة عن نافع، وخالفوا مالكًا في إسناده، منهم:
صخر بن جويرية كما في سنن أبي داود (277)، ومنتقى ابن الجارود (113)، وسنن الدارقطني (1/ 217)، وسنن البيهقي الكبرى (1/ 333).
وجويرية بن أسماء، كما في مسند أبي يعلى (6894)، والمنتقى لابن الجارود (113)، وسنن البيهقي الكبرى (1/ 333).
ويحيى بن سعيد كما عند الطحاوي في مشكل الآثار (2725).
وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة كما في سنن البيهقي الكبرى (1/ 333)، كل هؤلاء رووه عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن رجل، عن أم سلمة، فجعلوا بين سليمان، وبين أم سلمة رجلًا مبهمًا.
ورواه الليث بن سعد، واختلف عليه فيه:
فرواه أحمد بن عبد الله بن يونس كما في سنن الدارمي (780). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقتيبة بن سعيد، ويزيد بن عبد الله بن موهب كما في سنن أبي داود (275).
ويحيى بن بكير كما في سنن البيهقي الكبرى (1/ 333)، أربعتهم رووه عن الليث، عن نافع، عن سليمان، عن رجل، عن أم سلمة، كرواية صخر بن جويرية ومن معه بذكر واسطة بين سليمان وأم سلمة رضي الله عنها.
وخالفهم عبد الله بن صالح، فرواه كما عند الطحاوي في مشكل الآثار (2726) عن الليث، عن الزهري، عن سليمان بن يسار أن رجلًا من الأنصار أخبره، عن أم سلمة
…
فذكر نحوه. وهذا وهم من عبد الله بن صالح، حيث انفرد بذكر الزهري في إسناده، وخالف رواية الجماعة عن الليث، وعبد الله بن صالح كثير الغلط.
ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع بالوجهين:
فرواه أبو أسامة كما في مصنف ابن أبي شيبة (1346)، وسنن النسائي (354)، وسنن ابن ماجه (623)، والمعجم الكبير للطبراني (23/ 385) ح 917، وسنن الدارقطني (1/ 217).
وعبد الله بن نمير كما في مصنف ابن أبي شيبة (1346)، ومسند أحمد (6/ 293)، ومشكل الاثار للطحاوي (2722)، والمعجم الكبير للطبراني (23/ 385) ح 917.
ومعتمر بن سليمان كما في المعجم الكبير للطبراني (23/ 385) ح 917.
وعبدة بن سليمان كما في المعجم الكبير للطبراني (23/ 271) ح 578، أربعتهم عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن سليمان، عن أم سلمة، ولم يذكر واسطة بين سليمان وبين أم سلمة، كرواية مالك، عن نافع.
وخالفهما أنس بن عياض كما في سنن أبي داود (276)، ومن طريقه البيهقي (1/ 333) فرواه عن عبيد الله بن عمر بزيادة الرجل المبهم بين سليمان وأم سلمة.
ولا شك أن رواية ابن نمير وأبو أسامة ومن معهما أرجح من رواية أنس بن عياض، خاصة أن رواية الجماعة قد وافقت رواية مالك، فاجتمع مرجحان: أحدهما في العدد، فهم أربعة، وأنس ابن عياض واحد، ومرجح خارجي، وهو موافق رواية الجماعة لرواية مالك عن نافع.
وأما رواية سليمان عن مرجانة، عن أم سلمة.
فرواه موسى بن عقبة، واختلف علي فيه:
فرواها البيهقي (1/ 334) من طريق إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن مرجانه، عن أم سلمة، فأدخل مرجانة بين سليمان وبين أم سلمة.
وخالفه ابن أبي حازم كما في المعجم الكبير للطبراني (23/ 385) ح 920 فرواه عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن سليمان، عن أم سلمة، كرواية مالك.
فرجح بعض العلماء أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة. =
وجه الاستدلال من هذا الحديث:
قوله: (قبل أن يصيبها الذي أصابها)، فأحالها على ما سبق، ولو كان مرة واحدة.
وأجيب من وجوه:
أحدها: أن الحديث منقطع كما قال الإمام النسائي والبيهقي وابن رجب.
الثاني: أن الحديث في استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش، كما جاء مصرحًا به في بعض طرقه، وذكرت ذلك في التخريج، وقصة استحاضتها روتها عائشة رضي الله عنها في الصحيحين، بلفظ:(فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي)، وليس فيه قبل أن يصيبها ما أصابها.
= قال النسائي في السنن الكبرى على إثر ح (224) حديث سليمان، عن أم سلمة لم يسمعه من أم سلمة، بينهما رجل. اهـ
وقال البيهقي (1/ 333): هذا حديث مشهور، أودعه مالك بن أنس الموطأ، وأخرجه أبو داود في كتاب السنن، إلا أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة.
وكذا قال المنذري. وقال ابن رجب في شرحه للبخاري (2/ 59): «فتبين بهذا أن سليمان لم يسمعه من أم سلمة» .
وخالفهم ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 333)، فقال:«أخرجه أبو داود في سننه من حديث أيوب السختياني، عن سليمان، عن أم سلمة، كرواية مالك، عن نافع، . وقد ذكره البيهقي فيما بعد. قال صاحب الإمام: وكذلك رواه أسيد، عن الليث. وراه أسيد أيضًا عن أبي خالد الأحمر: سليمان بن حيان، عن الحجاج بن أرطاة، كلاهما عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة. وذكر صاحب الكمال أن سليمان سمع من أم سلمة، فيحتمل أنه سمع هذا الحديث منها، ومن رجل عنها» . اهـ
قلت: هذا احتمال، والاحتياط للرواية ألا يقبل فيها ما كان من باب الاحتمالات، فالاحتمال غالبًا يسقط الدليل لا يقويه.
وقال النووي: إسناده على شرطهما. اهـ والنووي رحمه الله على طريقة الفقهاء يحكم دائمًا للزيادة سواء كانت في الاسناد أو في المتن، فإذا أرسله جماعة، ووصله ثقة، أو أوقفه بعضهم ورفعه آخر، أو زاد لفظة لا يذكرها غيره ممن روى هذا الحديث، اعتبر النووي الاتصال، والرفع، والزيادة مقبولة، وهذا لا يتأتى على منهج جمهور أهل الحديث، والله أعلم