الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيبة، وأبو كريب، ثلاثتهم عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد. قالت، فقلت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك
(1)
.
وقد ناقشت اختلاف العلماء في دلالة الحديث، وأن الحديث يحتمل المرور في المسجد، ويحتمل أن المراد بالمسجد المصلى الذي في المنزل، ويحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي في المسجد، وأن عائشة كانت في البيت ومع الاحتمال لا يمكن الجزم بدلالة الحديث على المراد. انظر أدلة كل احتمال في أدلة المسألة السابقة.
الدليل الثاني:
استدلوا بقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا). فإذا صح للجنب أن يعبر المسجد جاز ذلك للحائض، وقد ناقشت دلالة الآية على المراد، واختلاف العلماء في تفسيرها.
وقد ثبت عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب بأن المراد بعابري السبيل المسافرون إذا لم يجدوا الماء يتيممون، وهو قول جماعة من التابعين انظر المسألة التي قبل هذه.
وعلى تسليم إباحة العبور للجنب يبقى هل يسلم لهم قياس الحائض عليه فإن حدث الحيض أغلظ من حدث الجنابة، فإن الحائض متلبسة بالحدث وبالنجاسة، أما الجنب فهو محدث فقط، ولذا يصح صيام الجنب ولا يصح صيام الحائض.
ومع ضعف الدليلين إلا أن هذا القول هو الصحيح؛ لأنه لم يرد دليل صحيح صريح في منع الحائض من المكث فضلًا عن العبور.
(1)
صحيح مسلم (11/ 298).
• أدلة القائلين بالجواز إذا انقطع الدم وقبل الاغتسال:
لعل هؤلاء فهموا أن العلة في المنع هو خوف تلويث المسجد، فإذا انقطع الدم أصبحت الحائض عندهم بمنزلة الجنب فطهرت من النجاسة الحسية، وبقي الطهارة من الحدث، وإذا كان الجنب له أن يعبر المسجد، فالمرأة بعد انقطاع الدم لها ذلك قياسًا عليه.
• أدلة القائلين بكراهة العبور:
لعل سبب الكراهة عندهم.
أولًا: اتخاذ المسجد طريقًا، والمساجد لم تبن لهذا.
(1842 - 302) ولذا روى مسلم، قال رحمه الله: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا إسحاق ابن أبي طلحة، حدثني أنس بن مالك، وهو عم إسحاق، قال:
بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء، فشنه عليه
(1)
.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن)، إشارة إلى أنها لم تبن لاتخاذها طرقًا.
ثانيًا: الاحتياط والخروج من خلاف العلماء، وإذا كان هناك حاجة للعبور ارتفعت الكراهة؛ لأنه معلوم أن الضرورة ترفع التحريم، والحاجة ترفع الكراهة.
(1)
صحيح مسلم (100/ 285).
• أدلة القائلين بجواز اللبث إذا انقطع دمها بشرط الوضوء:
(1843 - 303) استدلوا بما رواه سعيد بن منصور في سننه، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: رأيت رجالًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤا للصلاة
(1)
.
وسبق تخريجه
(2)
، وقد ناقشت الاستدلال بهذا الحديث في أدلة المسألة التي قبل هذه فارجع إليه.
والراجح كما قلت سابقًا: جواز مكث الحائض وعبورها المسجد بشرط أن تأمن التلويث؛ لأن المساجد يجب صيانتها حتى من البصاق الطاهر فضلًا عن الدم النجس. والله أعلم.
* * *
(1)
تفسير ابن كثير (2/ 313).
(2)
انظر حديث رقم 1834.