الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجيب عن هذا الأثر بأكثر من جواب:
الجواب الأول: أن الأثر ضعيف.
الجواب الثاني: على تفسير: (وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)[النساء: 43] بأن المقصود به المجتاز فإنه يعارض هذا الأثر، فإن الآية تضمنت نهي الجنب عن المكث في المسجد وجعلت غاية النهي هي الاغتسال، بينما الأثر جعل غاية النهي الوضوء.
الجواب الثالث: أن الأثر لم يحك عنهم أن هذا الفعل منهم كان زمن التشريع، بل صريح في أن زيد بن أسلم رآهم، وهذا يدل على أنه كان ذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحك عن عموم الصحابة حتى يكون حكاية للإجماع، فلا يصلح للاحتجاج.
الدليل الرابع:
(1835 - 295) ما رواه مسلم، قال: حدثنا يحيى بن يحيى، وأبو بكر ابن أبي شيبة،
وأبو كريب، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن ثابت ابن عبيد، عن القاسم بن محمد،
عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: فقلت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك
(1)
.
وهذا الحديث لا دلالة فيه على المكث بكل حال، وإنما النزاع هل يدل على جواز المرور فيه لتناول حاجة في المسجد أم لا؟ فمن منع المكث له أن يقول: ليس فيه إلا جواز المرور، ومع ذلك دلالته على جواز المرور فيها نزاع؛ لأن العلماء قد اختلفوا في معناه على قولين أو ثلاثة ولكل وجهة.
والحديث محتمل، ومع الاحتمال لا يصح الاستدلال.
وإليك الأقوال في معنى الحديث.
(1)
صحيح مسلم (11/ 298).
فقيل: إن الخمرة هي التي كانت في المسجد وأخذوا الحديث بظاهره.
(1836 - 296) واستدلوا لقولهم بما أخرجه أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منبوذ، عن أمه، قالت:
كنت عند ميمونة فأتاها ابن عباس، فقالت: يا بني، مالك شعثًا رأسك؟ قال: أم عمار مرجلتي حائض. قالت: أي بني وأين الحيضة من اليد؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على إحدانا وهي حائض، فيضع رأسه في حجرها، فيقرأ القرآن وهي حائض، ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في المسجد وهي حائض. أي بني وأين الحيضة من اليد؟
(1)
.
[ضعيف]
(2)
.
وعلى هذا القول يكون معنى: (إن حيضتك ليست في يدك) تحتمل معنين:
الأول: أن حيضتك في تقدير الله سبحانه وتعالى، كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:(إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم).
المعنى الثاني: أن يدك هي التي سوف تباشر الخمرة، ويدك طاهرة، فليست الحيضة في اليد.
(1)
المسند (6/ 331).
(2)
رواه أحمد (6/ 331)، والحميدي (312)، وابن أبي شيبة في المصنف (2115)، والنسائي في المجتبى (273، 385)، وأبو يعلى (7081)، والطبراني في الكبير (24/ 14) ح 23 من طريق سفيان.
ورواه عبد الرزاق في المصنف (1249)، وإسحاق بن راهويه (2026)، وأحمد (. . .)، والطبراني في الكبير (24/) ح 22 من طريق ابن جريج، كلاهما عن منبوذ به.
ومنبوذ، قال فيه الحافظ في التقريب: مقبول، فلم يصب.
فقد قال فيه ابن معين: ثقة. الجرح والتعديل (8/ 418)، وتهذيب التهذيب (10/ 213).
وذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (7/ 524).
وقال الذهبي: ثقة. الكاشف (5624).
ومثل هذا لا يقال له مقبول: أي لين الحديث إذا انفرد، لكن علة الإسناد أم منبوذ، حيث لم يرو عنها إلا ابنها منبوذ، ولم يوثقها أحد فهي مجهولة.
القول الثاني في معنى الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب أن تناوله الخمرة وهو في المسجد، وعائشة حائض، فيكون معنى ناوليني الخمرة من المسجد أي من قبل المسجد كما تقول: أعطني الثوب من النافذة أي من جهة النافذة.
(1)
.
فعلى هذا يكون الحديث فيه إشارة لمنع الحائض من دخول المسجد إذا حملناه على هذا المعنى، بل يدل على منع المرور فيه فضلًا عن المكث.
(1837 - 297) ويشهد لهذا التأويل ما رواه مسلم من طريق يحيى بن سعيد، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم،
عن أبي هريرة قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقال: يا عائشة ناوليني الثوب. فقالت: إني حائض. فقال: إن حيضتك ليست في يدك، فناولته.
المعنى الثالث:
قالوا: يحتمل الحديث (ناوليني الخمرة من المسجد) أي من المصلى، ولا يلزم أن يكون المصلى في المسجد، حتى الموضع الذي يصلي فيه من البيت يسمى مصلى، وهو مسجد، لأنه موضع للسجود.
(1838 - 298) ويشهد لهذا ما رواه أحمد من طريق ابن جريج، قال: أخبرني منبوذ أن أمه أخبرته أنها بينا هي جالسة عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إذ دخل عليها ابن عباس، فقالت: مالك شعثًا؟ قال: أم عمار مرجلتي حائض. فقالت: أي بني،
(1)
شرح النووي لصحيح مسلم (1/ 596).