الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول في أحكام الحيض من حيث مقداره ووقته
الفصل الأول في السن الذي تحيض فيه المرأة
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
* كل سن لا يمكن أن تحمل معه الأنثى لا يمكن أن تحيض معه.
* المني والحيض علامتان على بلوغ النكاح، الأول يخلق منه الوالد، والثاني علامة على صلاحية حمله وتغذيته، وكلاهما لا يوجد من الصغير.
* كل أمر وجب تحديده، ولم يرد في تحديده نص، فالواجب الرجوع في حده إلى ما وجد من العادات الجارية، ولم يوجد في جاري العادة حدوث الحيض لأقل من تسع سنوات.
* العادة محكمة في كل شيء لا تحديد فيه من الشرع، قال صلى الله عليه وسلم: كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرن.
* كل ما يقطع النساء أن مثلها لا يمكن أن تحيض فهو دم فساد.
* الآيسة والصغيرة لا تحيضان.
[م-682] اختلف العلماء في الزمن الذي تحيض فيه المرأة.
فقيل: لا حيض قبل تسع سنين.
وهو المعتمد عند الحنفية، واختاره بعض المالكية، والمشهور من مذهب الشافعية، والحنابلة
(1)
.
وقيل: يمكن أن تحيض البنت وعمرها ست سنوات! ! ، وهو قول أبي النصر محمد بن سلام من الحنفية
(2)
.
وقيل: أدنى سن تحيض به المرأة سبع سنين اختاره بعض الحنفية
(3)
.
وقيل: اثنتا عشرة سنة، وهو قول بعض الحنفية
(4)
ورواية عن الإمام أحمد اختارها أبو يعلى من الحنابلة
(5)
.
وقيل: لا حد لأدنى سن تحيض فيه المرأة، اختاره ابن رشد من المالكية
(6)
وابن تيمية من الحنابلة
(7)
.
(1)
انظر في مذهب الحنفية: المبسوط للسرخسي (3/ 149)، البحر الرائق (1/ 200)، تبيين الحقائق (1/ 54)، بدائع الصنائع (1/ 41) مراقي الفلاح (ص 57)، وانظر قول بعض المالكية: الخرشي (1/ 204)، منح الجليل (1/ 167)، حاشية الدسوقي (1/ 168)، الشرح الصغير (1/ 208)، أسهل المدارك (1/ 87)، وانظر في مذهب الشافعية: المجموع (2/ 400)، روضة الطالبين (1/ 134)، مغني المحتاج (1/ 108)، نهاية المحتاج (1/ 324)، الحاوي الكبير 1/ 388)، وانظر في مذهب الحنابلة: كشاف القناع (1/ 202) شرح منتهى الإرادات (1/ 113) المغني (1/ 447) المحرر (1/ 26) الكافي (1/ 74) الروض المربع (1/ 424) الإنصاف (1/ 355) الفروع (1/ 265) المبدع شرح المقنع (1/ 267) شرح العمدة (1/ 480).
(2)
المبسوط - السرخسي (3/ 149).
(3)
انظر: المرجع السابق.
(4)
انظر: فتح القدير (1/ 160). وانظر: ما أحلتك عليه من المراجع في المذهب الحنفي.
(5)
انظر: الإنصاف (1/ 355)، والفروع (1/ 265).
(6)
مقدمات ابن رشد (1/ 130).
(7)
مجموع الفتاوى (19/ 237).
دليل من قال: لا حيض قبل تسع سنين
الدليل الأول:
(1555 - 17) روى الترمذي
(1)
، والبيهقي
(2)
، كلاهما تعليقًا:
قال البيهقي: وروينا عن عائشة رضي الله عنها قالت:
إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة.
قال البيهقي: تعني -والله أعلم- فحاضت فهي امرأة.
[ضعيف لتعليقه، ومع كونه معلقًا فهو موقوف على عائشة]
(3)
.
ولا دلالة فيه على المسألة؛ لأننا نسأل: هل إذا بلغت الجارية تسع سنين صارت امرأة مطلقًا، أو بشرط الحيض؟
فإن قيل: إنها امرأة مطلقًا حتى ولو لم تر الحيض، فهذا لا أعلم أحدًا قال به.
وإن قيل: بشرط الحيض، فهو لا يعارض القول الراجح القائل بعدم التحديد؛ لأنهم يقولون أيضًا: إذا رأت الجارية الحيض، وهي ابنة تسع سنين فهي امرأة، والله أعلم.
(1)
سنن الترمذي (3/ 418).
(2)
سنن البيهقي (1/ 320).
(3)
وروي مرفوعًا: أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 273) من طريق عبيد بن شريك، حدثني سليمان بن شرحبيل، حدثنا عبد الملك بن مهران، ثنا سهل بن أسلم العدوي، عن معاوية بن قرة، قال: سمعت ابن عمر فذكره مرفوعًا.
وفيه عبد الملك بن مهران.
قال أبو حاتم وابن عدي: مجهول. الكامل (5/ 307)، الجرح والتعديل (5/ 370).
وقال العقيلي: صاحب مناكير، غلب عليه الوهم، لا يقيم شيئًا من الحديث. الضعفاء الكبير (3/ 34).
وقال أبو حاتم: مجهول. الجرح والتعديل (5/ 370).
وقال أبو علي بن السكن: منكر الحديث. اللسان (4/ 69).
ومن دونه لا يعرفون. انظر: إرواء الغليل (185).
وربما قالت عائشة هذا بما عرفت من نفسها.
(1556 - 18) فقد روى البخاري، قال: حدثنا محمد بن يوسف، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها، وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه، وهي بنت تسع، ومكثت عنده تسعًا. وهو في مسلم
(1)
.
ولا يفهم من الحديث التحديد.
الدليل الثاني:
(2)
.
الدليل الثالث:
قالوا: إن المرجع في هذه المسألة إلى الوجود؛ لأنه لم يأت تحديد ذلك من الشرع، ولم يوجد من النساء من يحضن عادة فيما دون هذا السن
(3)
.
قال الشافعي: «أعجل من سمعت من النساء تحيض نساء تهامة، يحضن لتسع سنين، وقد رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة»
(4)
.
(1)
صحيح البخاري (5133)، ومسلم (1422).
(2)
المغني (1/ 447).
(3)
المغني (1/ 447) وما ذكره ابن قدامة، هو دليل عليهم لا لهم؛ لأن الحيض إذا كان مرجعه إلى الوجود، فلماذا التحديد بالسن، لماذا لا يكون المرجع إلى وجود الدم الذي يصلح بأن يكون حيضًا بسبب لونه أورائحته أو ثخونته؟
(4)
الحاوي (1/ 388)، هاتان روايتان عن الشافعي: أما الأولى فهي قوله: «أعجل من سمعت
من النساء
…
» فهي ثابتة عنه، ذكرها في الأم (1/ 64). وأما الرواية الثانية، وهي قوله: «وقد رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة
…
» فهذه لم تثبت عنه، فقد رواها البيهقي (1/ 319) من طريق أحمد بن طاهر ابن حرملة، قال: حدثني جدي، عن الشافعي قال: رأيت بصنعاء جدة لها إحدى وعشرين سنة.
وأحمد بن طاهر هذا كذبه الدارقطني، وقال ابن عدي: حدث عن جده، عن الشافعي حكايات بواطيل، يطول ذكرها. انظر الميزان (1/ 105).
والشافعي أخبر بما وجد، وإلا يمكن على مذهبه أن يكون لها تسعة عشر عامًا وشيء.
وقد جاء في المبسوط للسرخسي: «ابنة أبي مطيع البلخي، صارت جدة ولها من العمر تسعة عشر عامًا»
(1)
.
وحساب ذلك أن يكون أبو مطيع زوج ابنته، وهي بنت تسع سنين فوضعت لأقل الحمل: أي بعد ستة أشهر، وكانت أنثى، وزوجها هي الأخرى، وعمرها تسع سنين، فوضعت لأقل الحمل هي الأخرى، فأصبحت الأم جدة، وعمرها تسعة عشر عامًا.
دليل من قال: يمكن أن تحيض الجارية وعمرها ست سنوات:
لا أعلم له دليلًا، لا من الأثر، ولا من النظر. وإنما قال ذلك أبو نصر محمد بن سلام، وقد سئل كما في المبسوط: عن ابنة ست سنين إذا رأت الدم، فهل يكون هذا دم حيض؟
فأجاب: إن تمادى بها مدة الحيض، ولم يكن نزوله لآفة، فهو حيض
(2)
.
فهذا جواب على سؤال افتراضي لا دليل عليه، لا من الأثر، ولا من النظر ولم يكن سؤالًا عن أمر واقع حتى يبنى عليه حكم. والله أعلم.
دليل من حدد سن الحيض بسبع سنين:
(1557 - 19) استدلوا بما رواه أحمد من طريق سوار أبي حمزة، عن عمرو بن
(1)
المبسوط (3/ 149).
(2)
المبسوط (3/ 149).
شعيب عن أبيه: عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع. وإذا أنكح أحدكم عبده فلا ينظرن إلى شيء من عورته، فإنما أسفل من سرته إلى ركبته من عورته
(1)
.
[منكر، تفرد به سوار، على خلاف فيه في لفظه، وله شواهد ضعيفة جدًّا، وأمثل حديث في الباب حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جده، وهو ضعيف]
(2)
.
وجه الاستدلال:
قالوا: إن الأصل في الأمر الوجوب، ولا يؤمرون إلا إذا كانوا بالغين؛ لأن غير البالغ قد رفع عنه القلم.
وهذا الاستدلال فيه ضعف؛ لأن الأمر لم يوجه للصبيان، وإنما خوطب به الأولياء، من باب التربية، وتعويدهم على الصلاة وتدريبهم عليها، حتى إذا بلغوا كان قيامهم بالأمر سهلًا، ولو كان الخطاب موجهًا إليهم لكان ممكنًا أن يصح الاستدلال.
ولذلك في سورة النور. قال سبحانه وتعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ)[النور: 58].
وحين بلغوا وجه الخطاب إليهم مباشرة فقال سبحانه: (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا)[النور: 59].
دليل من قال: أدنى سن تحيض به المرأة اثنا عشر سنة:
(1558 - 20) استدلوا بما روي مرفوعًا عن أبي أمامة رضي الله عنه: ذراري المسلمين يوم القيامة تحت العرش، شافع ومشفع، من لم يبلغ اثنتي عشرة سنة، ومن بلغ ثلاث عشرة سنة فعليه وله.
(1)
المسند (2/ 187).
(2)
انظر تخريجه في المجلد العاشر، ح:(2387).
[ضعيف جدًّا]
(1)
.
ظاهره أن التكليف منوط ببلوغ هذا السن؛ ولأن لفظ الذراري يشمل الذكر والأنثى.
دليل من قال بعدم التحديد:
الدليل الأول:
التحديد يحتاج إلى توقيف ولا يوجد دليل من الكتاب، ولا من السنة على القول بالتحديد، فمتى وجد الدم الذي يمكن أن يحكم له بأنه حيض في لونه، ورائحته، وثخونته، فهو حيض، ولو كان هناك تحديد بحيث لا يعتبر الدم قبله، ولا بعده حيضًا لوجب على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبينه للأمة، ولو بينه لنقلوه، ولحفظه الله سبحانه وتعالى لنا؛ حيث تعهد سبحانه وتعالى بحفظ الشريعة.
الدليل الثاني:
قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى)[البقرة: 222].
وجه الاستدلال:
علق الله سبحانه وتعالى الحكم بوجود الدم، الذي هو أذى، فإذا وجد الأذى وجد الحيض.
(1)
الحديث رواه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 15): وعنه الديلمي في مسنده من طريق ركن أبي عبد الله، عن مكحول، عن أبي أمامة مرفوعًا.
ونسبه السيوطي في الجامع الصغير كما في فيض القدير (1/ 560) إلى أبي بكر في الغيلانيات.
وفيه علتان: أحدهما: مكحول لم يسمع من أبي أمامة. انظر المراسيل لابن أبي حاتم (ص: 212).
العلة الثانية: فيه ركن بن عبد الله، قال فيه النسائي والدارقطني: متروك، انظر اللسان (3425).
وقال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (3/ 343).
وقال ابن معين: ليس بثقة. الكامل (3/ 160).
(1)
.
وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات: «فأما الطفلة الصغيرة فما رأت من الدم حكم له بأنه دم علة وفساد؛ لانتفاء الحيض مع الصغر، وليس له حد من السن، إلا ما يقطع النساء أن مثلها لا تحيض، وأما اليفعة التي تشبه أن تحيض فما رأت من الدم حكم له بأنه حيض، وكان ذلك دلالة على البلوغ»
(2)
.
وقال في مواهب الجليل: «وسن النساء قد يختلف في البلوغ، فالواجب أن يرجع في ذلك إلى ما يعرفه النساء، فهن على الفروج مؤتمنات، فإن شككن أخذ في ذلك بالأحوط»
(3)
.
وقال السعدي: «الحيض هو دم طبيعة وجبلة، وذلك يختلف باختلاف النساء والأحوال والفصول، والقوة والضعف، وغيرها، فكونه يربط بسن معين، ومقدار معين، ويلغى ما سواه مع مماثلته له، فمع كونه مخالفًا لظاهر النصوص الشرعية، فإنه مناف للأحوال الطبيعية.
يوضح هذا القول الصحيح، أن القول الذي تقولونه، مع أنه لا يدل عليه كتاب ولا سنة، فإنه لا يمكن أن يبنى على قاعدة من القواعد، ولا أصل من الأصول
…
إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى
(4)
.
(1)
مجموع الفتاوى (19/ 237).
(2)
المقدمات (1/ 130).
(3)
مواهب الجليل (1/ 367).
(4)
فقه الشيخ السعدي (1/ 347).
وهذا القول هو الراجح، إلا أنني أقطع أن سن السابعة لا يمكن أن يكون زمن حيض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الخطاب فيه للأولياء، فقال: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، وسبق تخريجه، ولم يؤمر الولي بعقاب الولد في تلك السن؛ لأنها ليست سنًا صالحة للتكليف.
* * *