الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دليل من قال: بأن الصفرة والكدرة ليست حيضًا مطلقًا:
(1614 - 76) استدلوا بما رواه أبو داود، قال: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد ابن أبي عدي، عن محمد -يعني: ابن عمرو- قال: حدثني ابن شهاب، عن عروة ابن الزبير، عن فاطمة بنت أبي حبيش، قال: إنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي
(1)
.
[حديث منكر]
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بالإمساك عن الصلاة إلا إذا رأت الدم الأسود، وأما
(1)
سنن أبي داود (286).
(2)
الحديث ضعيف، وله أكثر من علة:
أحدها: تفرد محمد بن عمرو بهذا الأصل عن ابن شهاب، ولا يحتمل تفرده بمثل ذلك، فحديث عروة عن عائشة في قصة استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش، رواه هشام بن عروة، عن أبيه عروة، عن عائشة في الصحيحين وغيرهما، ورواه عن هشام عدد لا يحصون كثرة.
وتابع حبيب بن أبي ثابت هشامًا، ولم يقل أحد منهما:(إن دم الحيض دم أسود يعرف) إلا محمد ابن عمرو، فتفرد محمد بن عمرو بهذا الإسناد عن الزهري، عن عروة، ومخالفته لهشام وحبيب ابن أبي ثابت، لا يحتمل، وأين أصحاب الزهري عن هذا الحديث لو كان مما رواه الزهري عن عروة، ومحمد بن عمرو خفيف الضبط.
العلة الثانية: الاضطراب في السند، فمرة حدث به محمد بن أبي عدي فجعله من مسند فاطمة، ومرة جعله من مسند عائشة، والأول من كتابه، والثاني من حفظه، فإن رجحنا ما كان في كتابه فهو منقطع، وإن رجحنا ما ذكره من حفظه، فهو متصل الإسناد، ولا شك أن الكتاب مقدم على الحفظ، عند علماء المصطلح، فيكون على هذا منقطعًا؛ لأن عروة لم يسمعه من فاطمة.
لهذه العلل ضعف الحديث أبو حاتم والنسائي، وسوف أتكلم عليه بشيء من التفصيل إن شاء الله في باب الاستحاضة، وأذكر من خرجه مع أبي داود إن شاء الله، وأقارنه بحديث عائشة في الصحيحين، انظر ح:1969.
إذا رأت غيره فإنها تصلي، والصفرة والكدرة ليست دمًا أسود، وبالتالي فهي مأمورة بالصلاة إذا رأته.
وأجيب:
أولًا: الحديث منكر، منقطع الإسناد، مخالف لما في الصحيحين في قصة استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش، حيث ردها النبي إلى العادة، وأمرها أن تجلس قدر عادتها، ولم يردها إلى العمل بالتمييز، فكيف نردها إلى الدم الأسود، ونلغي العادة، فظاهر من الشرع أنه يقدم سلطان العادة على التمييز، ومن ألغى الكدرة في أيام العادة فقد قدم سلطان اللون على سلطان العادة، وهذا مخالف لما في الصحيحين.
ثانيًا: أن هذا الحكم خاص بالمستحاضة، وهي التي اختلط دم حيضها بدم استحاضتها وكان التمييز بين الدمين لا يمكن إلا باللون، لا أن هذا حكم مطلق لكل امرأة، ولو لم تكن غير مستحاضة، فضلًا أن يدعى أن هذا في امرأة ليس لها عادة، أو نسيت عادتها، فردها النبي صلى الله عليه وسلم إلى التمييز، مع أن الحديث واحد في قصة استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش، ومع أنه لم يجر ذكر للعادة مطلقًا في حديث محمد ابن عمرو، ولم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم هل أنت مبتدأة ليس لك عادة؟ فضلًا أن يفترض أن لها عادة ونسيتها، فالمستحاضة إذا عملت بحديث فاطمة بنت أبي حبيش إما أن تأخذ بالعادة كما في الصحيحين، وهو حديث مجمع على صحته، أو تأخذ بالتمييز مطلقًا كما في هذا الحديث المخالف لما في الصحيحين، ولا خيار ثالث.
ثالثًا: أنه مقيد بحديث أم عطية: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا) وسيأتي تخريجه. ومقيد بأثر عائشة: (لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء) وسيأتي إن شاء الله تخريجه، وعليه فيكون ما عدا الدم الأسود ليس حيضًا، إلا في زمن العادة فإنه حيض حتى ولو كان صفرة وكدرة جمعًا بين هذا الحديث وما روي عن أم عطية وعائشة. والله أعلم.