الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين نجاستي الشرك والنجاسة الحسية، والحدث دليل على عدم اشتراط الطهارة لمس المصحف.
وعندي أن هذا الاستدلال لا يسلم من النزاع.
(1)
.
الدليل السابع:
إذا كان يجوز عند أكثر المانعين، إن لم يكن كلهم جواز مس الصبي اللوح المكتوب فيه القرآن، فالبالغ أولى؛ لأن الصبي قد لا يحافظ على طهارة يده كما يحافظ عليها البالغ المكلف.
الدليل الثامن:
ذكر ابن الجوزي في تفسيره، والشوكاني في النيل، وفي فتح القدير
(2)
، والقرطبي في تفسيره
(3)
، عن ابن عباس أنه يرى جواز مس المصحف للمحدث حدثًا أصغر، وذكر معه جماعة من التابعين كالشعبي وغيره، فإذا ثبت هذا عن ابن عباس، لم يصح دعوى إجماع الصحابة على ذلك، والله أعلم
(4)
.
الدليل التاسع:
أكثر المسلمين لا يحفظون القرآن، وإذا منعناهم من مس المصحف إلا على طهارة
(1)
فتح الباري (1/ 537) ح 305.
(2)
فتح القدير (5/ 160).
(3)
تفسير القرطبي (17/ 226).
(4)
ولم أقف على إسناده عن ابن عباس لأنظر فيه. والله أعلم.
فإن طائفة كبيرة قد تحجم عن قراءته إما عجزًا في تحصيل الطهارة أو قد لا يكون الماء في المتناول، وإن لم يكن معدومًا، وما دامت الأدلة ليست بالقوية، وهي معارضة لأدلة أخرى، وحرصًا على تيسير قراءة القرآن لعموم المسلمين في كل الأوقات، فإن النفس قد يكون فيها حرج في إيجاب مثل هذا، نعم الطهارة عبادة عظيمة، وهي تكفر السيئات، وهي عبادة مقصودة لذاتها، كما أنها مشروعة بالإجماع لذكر الله، بل حرص الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يرد السلام إلا على طهارة، ولكن مع ذلك، فإن الجزم بالإيجاب أمر ليس بالسهل، ويخشى الإنسان أن يكون قد ضيق أمرًا فيه سعة، ولا نقول إلا اللهم يا مفهم سليمان فهمنا، ويا معلم داود علمنا، اللهم أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه.
وبعد تحرير هذا البحث، كانت هناك مذاكرة مع بعض المشايخ، بين لي فيها طريقًا آخر لمرسل عمرو بن حزم يرى أنه يتقوى به مرسل عمرو بن حزم.
(1775 - 236) فقد روى عبد الرزاق في المصنف، عن معمر، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، عن ابن المسيب، قال:
قضى عمر بن الخطاب في الأصابع بقضاء، ثم أخبر بكتاب كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لآل حزم في كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل، فأخذ به وترك أمره الأول
(1)
.
[رجاله ثقات إن ثبت سماع ابن المسيب له من عمر، وعلى تقدير أنه منقطع، فمرسلات ابن المسيب من أصح المراسيل، والله أعلم]
(2)
.
(1)
مصنف عبد الرزاق (17706).
(2)
اختلف في سماع سعيد من عمر،
قال عبد الله بن وهب: سمعت مالكًا، وسئل عن سعيد بن المسيب، قيل: أدرك عمر؟ قال: لا، ولكنه ولد في زمان عمر، فلما كبر أكب على المسألة عن شأنه وأمره حتى كأنه رآه. قال مالك: بلغني أن عبد الله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره. تهذيب الكمال (11/ 74).
وقال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: سعيد بن المسيب قد رأى عمر، وكان صغيرًا. قلت ليحيى: يقول: ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر؟ قال يحيى: ابن ثمان سنين يحفظ شيئًا. المرجع السابق.
وقال إسحاق بن منصور: قلت ليحيى بن معين: يصح لسعيد بن المسيب سماع من عمر؟ قال: لا. المراسيل ـ ابن أبي حاتم (ص: 71).
وقال أبو حاتم الرزاي: سعيد بن المسيب عن عمر مرسل، يدخل في المسند على المجاز.
وقال أيضًا: لا يصح سماع لسعيد بن المسيب عن عمر إلا رؤيته على المنبر ينعي النعمان بن مقرن. المرجع السابق.
إلا أن هذا الحديث لم يحل المشكلة، فهو يثبت صحة كتاب عمرو بن حزم بالجملة، ولا يثبت ما ورد فيه من ألفاظ، ولو جاءت من طرق شديدة الضعف، خاصة أن هذا الأثر لم يعرج على مسألتنا، وهو ألا يمس القرآن إلا طاهر، والله أعلم.
* * *